ايجى كاش دوت بيج
Egyptian Mohamed  
  صفحة البداية
  منتدى ايجى كاش دوت بيج
  الدين والاسلام والمسلمين
  => صور ليوم القيامه
  => اجمل ما تقرأه عيناك
  => كيف تموت الملائكة
  => اللى قلبه ضعيف ميدخلش
  => نهايه العالم..ربنا يستر
  => تعلم كيف تصلى
  => الطريق الى الجنه
  => حبنا لنبى الله *ص
  => أعداء الإسلام في لحظات صدق
  => الا رسول الله
  => اعجاز الخالق
  => الو ليلة فى القبر
  => النــــــــــار
  => مسـ(ـ مستحيلات ـ)ـتحيل
  => هكذا عرفت طريق الحق
  => حقيقة نبي الله عيسي
  => شبهات المؤلهين لعيسى
  => الاقصى اقصانا لا معبدك
  => فلاشات اسلاميه
  => اروع الاناشيد الدينيه
  => كتب الحديث الشريف
  => لكم يا عرب هل استفقتم
  برامج وزخرفه الماسنجر
  رسائل الموبايل 2009
  اجمل ما تقرأه عيناك
  برجك وحظك اليوم
  الفيديو والاغانى
  صور*صور
  عالم الجن
  الغاز معقده
  نكت وسخريه
  دول العالم العربى
  خدمة اصحاب المواقع
  موقعى محتاج ايه?
  غرفه الدردشه
  المراسلة
  دفتر الزوار
  SubSite
© 2007 - 2009 Egyptian Mohamed
شبهات المؤلهين لعيسى

الفصل الثاني

شبهات المؤلهين لعيسى من الأناجيل و الرد عليها بواسطة الأناجيل نفسها


يستند القائلون بـإلـهية سيدنا عيسى المسيح عليه السلام ، أي الذين يدَّعون أنه تجسُّد شخص الابن من الله الواحد ذي الأشخاص الثلاثة (الآب و الابن و روح القدس)، معتبرين المسيح ابن الله المولود منه على الحقيقة لا على المجاز، إلى بعض النصوص المشتبهة من العهد الجديد، و يدعمون استدلالهم أحيانا ببعض آيات التوراة أو العهد القديم التي يتكلم فيها الله بضمير الجمع، مشيرة ـ بزعمهم ـ لوجود ثلاثة آلهة ضمن الذات الإلـهية!، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.

أما ما يستندون إليه من كتاب العهد الجديد فيمكن أن نقسمه إلى آيات في الأناجيل الأربعة، و آيات، أو بتعبير أصح، عبارات من رسائل بولس، وعبارات من رسائل يوحنا الملحقة بالأناجيل.

و نحن في هذا الفصل لن نناقش إلا القسم الأول من مستمسكات القائلين بإلـهية المسيح، أعني تلك الآيات الإنجيلية الواردة في الأناجيل الرسمية الأربعة، سواء كانت من كلام المسيح عليه السلام نفسه أو كانت نصوصاً تحكي أحواله و خوارق معجزاته، التي اعتبرها آباء الكنيسة القدامى دلائل على إلـهية المسيح عليه السلام، و ذلك لأن الإنجيل و ما بلَّغه عيسى عليه السلام عن ربه، هو فقط الكلام المعصوم الواجب اتباعه، و لن نبحث في أصالة و صحة كل ما ورد عن المسيح في تلك الأناجيل الأربعة، و إن كان لنا، في أصالة بعض ما ورد فيها،كلام كثير، بل سنفترض أن كل ما ورد في الأناجيل صحيح أصيل، و نناقش ما استدلوا به من آياتها التي زعموا أنها تبين إلـهيته عليه السلام.

أما ما عدا كلام المسيح عليه السلام و عبارات الأناجيل، سواء كان كلام بولس أو كلام يوحنا فمع أنه في نظرنا يعبر عن فهمهما و اجتهادهما فحسب و لا يرقى لمرتبة الكلام الإلـهي النقي المعصوم أي ليس له سلطان و حجية الإنجيل، و بالتالي فمهما قالا فليس قولهما بحجة ملزمة، إلا أننا مع ذلك سنخصص الفصل القادم لمناقشة مستمسكاتهم على إلـهية المسيح من رسائل بولس و يوحنا، و نثبت بالشواهد الصريحة القاطعة من نفس رسائل بولس و يوحنا، أنهما ما كانا يعلمان ألوهية المسيح و لا قالا أبدا أنه الله المتجسِّد، بل أكَّـدا أنه مخلوق خاضع لله. و سنناقش في ذلك الفصل، بعض عبارات بولس و يوحنا المشتبهة التي قد يبدو منها تأليه المسيح و نفنِّدها و نبين حقيقة أمرها.


أما بالنسبة إلى أقوال المسيح عليه السلام و أحواله فإن أهم ما يستدل به القائلون بإلـهية عيسى من نصوص الأناجيل، الأمور التالية :


أ ـ مستمسكاتهم من أقوال سيدنا المسيح عليه السلام :


1) تصريحه مرارا عن نفسه بأنه " ابن ا لله ". تكرر ذلك مرارا في الأناجيل. مثلا في: متى: 27 / 43 و يوحنا: 5 / 19 ـ 26 و يوحنا: 10/ 36 و يوحنا: 17/ 1.

2) قوله مرارا عن الله تعالى " أبي "، تكرر ذلك في الأناجيل كثيرا أيضا، مثلا في: متى: 7/ 21 و 11 / 27، و لوقا: 2/ 49 و 23/ 34 و 46، و يوحنا: 5/ 17 إلى 23 و يوحنا 10 / 18 و 25 و 29 و غير ذلك.

3) قوله عليه السلام ، كما جاء في إنجيل يوحنا (10/30): " أنا و الآب واحد ".

4) قوله عليه السلام الذي جاء أيضا في إنجيل يوحنا (10 / 38): " الآب فـيَّ و أنا فيه " و مثلها قوله عليه السلام: " أنا في الآب و الآب فـيَّ " يوحنا: 14 / 10.

5) قوله عليه السلام : " الذي رآني فقد رأى الآب " يوحنا: 14 / 9.

6) قوله عليه السلام الذي أورده كذلك يوحنا في إنجيله (8 / 23 و 3 / 13): " أنا من فوق... أنا لست من هذا العالم ".

7) قوله عليه السلام ، الذي أورده إنجيل يوحنا أيضا (3/13): " و ليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء "

8) عدة أقوال للمسيح عليه السلام صرح فيها أنه كان موجودا قبل أن يأتي إلى هذا العالم، كقوله لليهود: " قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن " يوحنا 8 / 58 أو قوله في مناجاته لله تعالى: " بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم " يوحنا: 17 / 5.

9) قوله عليه السلام عن نفسه أنه: " ربُّ داود " عليه السلام و ليس بابنه. كما في لوقا: 20 / 41 ـ 43.

10) قوله عليه السلام عن نفسه: " و لكن لتعلموا أن لابن الإنسان سلطانا على الأرض أن يغفر الخطايا " متى: 9 / 5. و نحوه: مرقس: 2 / 5 ـ 10.

11) قول توما (تلميذ المسيح) للمسيح عليه السلام: "ربي و إلـهي " و أقره عيسى على ذلك و لم يعترض عليه. يوحنا: 20 / 28.

و هناك مستمسك آخر هام لهم، بل لعله من أهم مستمسكاتهم، و هو افتتاحية إنجيل يوحنا التي يقول (يوحنا) فيها: " في البدء كان الكلمة و الكلمة كان عند الله و كان ا لله الكلمة "! و لكن لما كانت هذه العبارة ليوحنا مؤلف الإنجيل الرابع و ليست للمسيح عليه السلام نفسه، فقد أرجأتُ مناقشتها للفصل القادم عند مناقشة شبهاتهم من عبارات يوحنا في رسائله.

هذا و لعلك أيها القارئ الكريم لاحظت أن أغلب العبارات المذكورة أعلاه الموهمة لإلـهية المسيح عليه السلام، باستثناء التعبير عن نفسه بابن الله و اعتباره الله تعالى أباه، إنما هي في إنجيل يوحنا فقط دون سائر الأناجيل، و لا عجب، فقد صرَّح يوحنا نفسه أنه ما كتب إنجيله إلا: " لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله و لتكون لكم إذا آمنتم الحياة باسمه " يوحنا: 20 / 30 ـ 31. و هذا موضوع لنا تعليق عليه في الفصل القادم إن شاء الله لدى مناقشتنا لشبهاتهم من رسائل و عبارات يوحنا.


ب ـ أدلتهم من أحوال سيدنا المسيح عليه السلام :

(1) ولادته الإعجازية من غير أب.

(2) معجزاته العظيمة، لا سيما إحياؤه الموتى و شفاؤه ذوي العاهات الخَلْقية كأعمى الولادة و الأبرص.. إلخ و إطعامه الجم الغفير من الطعام القليل و نحوه.

(3) قيامه حيا من الأموات.

(4) سجود بعض تلاميذه له كسجود مريم المجدلية و مريم أم يعقوب و الأعمى الذي شفاه و غيرهم له عليه السلام و إقراره إياهم على ذلك و عدم اعتراضه، مع أن السجود عبادة لا تكون إلا لله، كما قال هو عليه السلام بنفسه: " لأنه مكتوب للرب إلهك تسجد و إياه وحده تعبد " متى: 4 / 10، فقالوا إنَّما كان يُقِرُّهم على ذلك، لكونه إلـههم فعلا!. تعالى الله عما يشركون.

هذه هي جميع مستمسكاتهم على إلهية المسيح من الأناجيل. نبدأ الآن بمناقشة هذه الأدلة واحدا واحدا مناقشة موضوعية، تعتمد على الأناجيل نفسها، لنرى هل أنها فعلا تثبت إلـهية عيسى عليه السلام أم لا؟؟

______________________


أ ـ الشبـهات الـقولية :

الشبهة الأولى

إطلاق عبارة "ابن الله " على المسيح عليه السلام في الإنجيل.


بسط هذه الشبهة:

لقد تكرر وصف المسيح بابن الله في الإنجيل كثيرا و جاء ذلك على أنحاء متعددة :

(1) منها إطلاق عيسى نفسه على نفسه لقب " ابن الله "، و هذا أكثر ما جاء في إنجيل يوحنا، كما في آخر قصة الأعمى من الولادة الذي شفاه المسيح عليه السلام في إنجيل يوحنا: 9/ 35 ـ 37 و 5/ 19 ـ 26 و 10/ 36 و 17/ 1.

(2) و منها قول الحواريين لعيسى عليه السلام:" إنك حقا ابن الله " أو قولهم: " أنت هو المسيح ابن الله الحي"، كما في إنجيل متى: 14 / 33، و 16 / 16.

(3) و منها مناداة الله تعالى في السماء: " هذا ابني الحبيب الذي عنه رضيت " كما في إنجيل متى: 3 / 17 و 17 / 5.

(4) و منها إطلاق جبريل لقب " ابن العلي "و " ابن الله " على المسيح، كما في إنجيل لوقا: 1 / 32 و 35.

قالوا: فإذا ثبت أن المسيح هو ابن الله، ثبتت إلـهيته، لأن الابن لا يكون إلا من نفس جوهر أبيه الذي ولد منه!.



الإجابة عن هذه الشبهة :

رغم أن هذه الشبهة، قد تبدو، بالنسبة للذين ليس لهم اطلاع على الكتاب المقدس بعهديه القديم و الجديد، لأول وهلة شبهة قوية، لكن بمجرد مطالعة الأناجيل و الملاحظة المقارنة لموارد استعمال عبارة " ابن الله " فيها، بل في الكتاب المقدس بشكل عام، سواء منه العهد الجديد أو العهد القديم، يتبين أنها شبهة ضعيفة جدا، و أن مراد الكتاب المقدس من هذه العبارة معنىً مجازيٌّ تماما هو: الصالح البار المقرب من الله و المحبوب من الله، أو رسول الله ومختاره المجتبى. و فيما يلي توضيح ذلك من عدة وجوه :

الوجه الأول: مبدئيا نقول أنه لا يمكن أن يكون المقصود من عبارة " ابن الله " المستخدمة بحق عيسى بن مريم عليه السلام معنى حقيقيا، لأن ذلك سيتعارض مع إطلاق عبـارة " ابن الإنسان " و عبارة " ابن داود " كثيرا على المسيح أيضا، كما مر معنا في القسم الحادي عشر من الفصل الماضي، إذ من البديهي أنه لا يمكن للشخص الواحد نفسه أن يكون ابنا لأبوين بالمعنى الحقيقي!! و لا عبرة لقولهم أنه ابن الإنسان من ناحية ناسوته و ابن الله من ناحية لاهوته، لأنه سبق و بينا استحالة أن يكون شخص واحد بعينه و بذاته: بشراً و إلهاً بنفس الوقت!. فلا بد أن تكون البنوَّة في إحدى التعبيرين مرادة حقيقة أي هي بنوة التولُّد، و في الآخر مرادة مجازا عن معنى معنوي آخر. فنقول أن الأدلة البينة التي فصلناها في الفصل الماضي و ما سيأتي في هذا الفصل كافية لبيان أن بنوته للإنسان هي البنوّة المرادة بمعناها الحقيقي أما بنوته لله فذات معنى مجازي سيأتي توضيحه.

الوجه الثاني: لدى تتبعنا لاستخدام عبارة " ابن الله " في الأناجيل نرى أن هذا التعبير يقصد به معنى الصالح البار الوثيق الصلة بالله و المتخلِّق بأخلاق الله. فقد جاء في إنجيل مرقس (15/ 39): "و لما رأى قائد المائة، الواقف مقابله، أنه صرخ هكذا، و أسلم الروح، قال: حقا كان هذا الإنسان ابن الله". نفس هذا الموقف أورده لوقا في إنجيله فنقل عن قائد المائة أنه قال عن المسيح: "بالحقيقة كان هذا الإنسان با رَّ اً "، فما عبر عنه مرقس في إنجيله بعبارة " ابن الله " عبر عنه لوقا بعبارة "بارّاً "، مما يبين أن المراد من عبارة ابن الله ليس إلا كونه بارا صالحا.

و بهذا المعنى كان يستخدم اليهود ـ مخاطَبي المسيح ـ لفظة " ابن الله "، التي لم تكن غريبة عليهم، بل شائعة و مستخدمة لديهم بالمعـنـى الذي ذكرناه، و لذلك نجد مثلا، أن أحد علماء اليهود و اسمه " نتنائيل"، لما سمع من صديقه فيليبس، عن نبيٍّ خرج من مدينة الناصرة، استنكر ذلك في البداية، لكنه لما ذهب ليرى عيسى بنفسه، عرفه عيسى {.. و قال فيه: " هو ذا اسرائيلي خالص لا غش فيه "، فقال له نتنائيل: " من أين تعرفني؟ "، أجابه يسوع: " قبل أن يدعوك فيليبس و أنت تحت التينة، رأيتك! " فأجابه نتنائيل: " رابِّي! أنت ابن الله، أنت ملك إسرائيل "} (يوحنا 1/ 45 ـ 49)، و مما لا شك فيه، أن مقصود نتنائيل، كإسرائيلي يهودي موحد، عالم بالكتاب المقدس، من عبارة ابن الله هذه، لم يكن: أنت ابن الله المولود منه و المتجسد! و لا مقصوده: أنت أقنوم الابن المتجسد من الذات الإلهية!! لأن هذه الأفكار كلها لم تكن معروفة في ذلك الوقت، و لا تحدث المسيح نفسه عنها، لأن هذه الحادثة حدثت في اليوم الثاني لبعثة المسيح فقط، بل من الواضح المقطوع به أن مقصود نتنائيل من عبارته أنت ابن الله: أنت مختار الله و مجتباه، أو أنت حبيب الله أو من عند الله، أو أنت النبي الصالح البار المقدس، و نحو ذلك. هذا و مما يؤكد ذلك، أن لقب " ابن الله " جاء بعينه، في الإنجيل، في حق كل بارٍّ صالح غير عيسى عليه السلام، كما استعمل " ابن إبليس" في حق الإنسان الفاسد الطالح [1].

ففي إنجيل متى (5/ 9): " طوبى لصانعي السلام فإنهم أبناءُ الله يُدْعَوْنَ "، و فيه أيضا: " و أما أنا فأقول لكم أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، و صلوا لأجل الذين يسيئون إليكم، و يطردونكم، لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السموات " متى (5 / 44 ـ 45).

و في إنجيل لوقا (6 / 35): "بل أحبوا أعداءكم و أحسنوا و أقرضوا و أنتم لا ترجون شيئا فيكون أجركم عظيما و تكونوا بني العـَلِيِّ فإنه منعم على غير الشاكرين و الأشرار ".

فسمَّى الأبرار المحسنين بلا مقابل المتخلِّقين بـخُلُقِ الله بـِ " أبناء العلي " و " أبناء أبيهم الذي في السموات ".

و في إنجيل لوقا أيضا يطلِق المسيح عليه السلام على أهل الجنة عبارة " أبناء الله" فيقول: " و لكن الذين حُسِبوا أهلا للحصول على ذلك الدهر و
القيامة من الأموات لا يُـزوِّجون و لا يُـزَوَّجون. إذ لا يستطيعون أن يموتوا أيضا لأنهم مثل الملائكة و هم أبناء الله إذ هم أبناء القيامة "لوقا:20 / 35ـ 36

و في الإصحاح الأول من إنجيل يوحنا يقول: " و أما الذين قبلوه (أي قبلوا السيد المسيح)، و هم الذين يؤمنون باسمه، فقد مكَّنهم أن يصيروا أبناء الله " 1 / 12.

كل هذا مما يوضح أنه في لغة مؤلفي الأناجيل و اللغة التي كان يتكلمها السيد المسيح عليه السلام، يُعَبَّرُ بـِ: " ابـن الله " عن كل: امرء بار صالح وثيق الصلة بالله مقرب منه تعالى يحبه الله تعالى و يتولاه و يجعله من خاصته و أحبابه، و وجه هذه الاستعارة واضح، و هو أن الأب جُـبِلَ على أن يكون شديد الحنان و الرأفة و المحبة و الشفقة لولده، حريصا على يجلب له جميع الخيرات و يدفع عنه جميع الشرور، فإذا أراد الله تعالى أن يبين هذه المحبة الشديدة و الرحمة الفائقة و العناية الخاصة منه لعبده فليس أفضل من استعارة تعبير كونه أبا لهذا العبد و كون هذا العبد كابن لـه.

و من هذا القبيل ـ في تراثنا الإسلامي ـ مثلا: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " أهل القرآن أهل الله و خاصته " [2] فليس المراد بعبارة " أهل الله " معناها الحقيقي لأن أهل الشخص: هم عشيرته و ذوو قرباه و الله تعالى يتنزه عن العشيرة و ذوي القربى و الصاحبة و الولد، بل هذه استعارة تشبيهية المراد منها أن أهل القرآن هم أحباب الله و أولياؤه و مقربوه، الذين لهم من الله عناية خاصة و محبة وثيقة كالتي تكون بين المرء و أهله و ذوي قرباه.

و قد جاء في بعض رسائل العهد الجديد ما يوضح هذا المجاز أشد الإيضاح و لا يترك فيه أي مجال للشك أو الإبهام. فقد جاء في رسالة يوحنا الأولى (5/1ـ2) قوله: “ كل من يؤمن أن يسوع هو المسيح فقد ولد من الله. و كل من يحب الوالد يحب المولود منه أيضا. بهذا نعرف أننا نحب أولاد الله إذا أحببنا الله و حفظنا وصاياه ". و في آخر نفس هذه الرسالة: " نعلم أن كل من ولد من الله لايخطئ بل المولود من الله يحفظ نفسه و الشرير لا يمسه " 5/18. و أيضا في الإصحاح الثالث من نفس تلك الرسالة، يقول يوحنا: "كل من هو مولود من الله لا يفعل خطيَّة لأن زرعه يثبت فيه و لا يستطيع أن يخطئ لأنه مولود من الله، بهذا أولاد الله ظاهرون و أولاد إبليس... الخ " رسالة يوحنا الأولى: 3/ 9ـ10.

و في الإصحاح الرابع من تلك الرسالة أيضا: " أيها الأحباء لنحب بعضنا بعضا لأن المحبة هي من الله و كل من يحب فقد ولد من الله و يعرف الله " رسالة يوحنا الأولى: 4/7.

و في رسالة بولس إلى أهل رومية (8 / 14 ـ 16): "لأن كل الذين ينقادون بروح الله فأولـئك هم أبناء الله. إذ لم تأخذوا روح العبودية أيضا للخوف، بل أخذتم روح التبني الذي به نصرخ يا أبا الآب. الروح نفسه يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله".

و في رسالة بولس إلى أهل فيليبس (2 / 14 ـ 15): "افعلوا كل شيء بلا دمدمة و لا مجادلة. لكي تكونوا بلا لوم و بسطاء أولاد الله بلا عيب في وسط جيل معوج و ملتو تضيئون بينهم كأنوار في العالم".

ففي كل هذه النصوص استعملت عبارات: ابن الله، أبناء الله، أولاد الله، و الولادة من الله، بذلك المعنى المجازي الذي ذكرناه.


الوجه الثالث : لقد جاء أيضا في العهد الجديد و القديم، إطلاق عبارة " ابن الله " و أحيانا " بكر الله " أي ابنه البكر، على بعض أنبياء بني إسرائيل الذين أنعم الله عليهم و فضَّلهم ـ في ذلك الوقت ـ على العالمين، و فيما يلي ذكر الشواهد على ذلك:

(1) في الإصحاح الثالث من إنجيل لوقا، في بيان نسب المسيح عليه السلام، جاء أنه: " و هو ـ على ما كان يُـظَنُّ ـ ابن يوسف ابن هالي ابن...........(و ساق النسب كله إلى أن وصل لقوله) ابن آدم ابن الله! " لوقا: 3/23 و 38. فاعتبر آدم ابن الله، و واضح أنه ليس مقصوده البنوَّة الحقيقية، و لا أحد من المسيحيين يعتقد بإلـهية آدم و لله الحمد!، بل إنه لما كان آدم بغير أبوين و كان وثيق الصلة بالله تعالى نسبه إلى الله و أطلق عليه هذا اللفظ مجازا.

(2) و في سفر الخروج من التوراة (4/ 22 ـ 23) يقول الله تعالى لموسى عليه السلام: " فتقول لفرعون: هكذا يقول الرب: إسرائيل ابـنـي البـكـر، فقلت لك أطلق ابـنـي ليعبدني فأبيت أن تطلقه. ها أنذا أقـتل ابنك البكر"

(3) و في سفر صموئيل الثاني، يقول الرب لعبده داوود: "متى كملت أيامك و اضطجعت مع آبائك أقيم بعدك نسلك الذي يخرج من أحشائك وأثبت مملكته. هو يبني بيتا لاسمي و أنا أثبت كرسي مملكته إلى الأبد. أنا أكون له أبا و هو يكون لي ابنا " صموئيل الثاني: 7/12ـ14.

(4) و في سفر إرميا، يقول الله تعالى: " لأني صرت لإسرائيل أبا، و أفرايم هو بكري " إرميا: 31/9.

(5) و جاء في سفر مزامير داود عليه السلام، قول الله تعالى لعبده داود: " و أَجعلُ على البحر يده و الأنهار يمينه. و هو يدعوني أبي أنت. إلـهي و صخرة خلاصي. و أنا أيضا أجعله بكراً على من ملوك الأرض " المزامير: 89/ 25ـ 27.


قلت: ففي الشاهدين الأخيرين أطلق الله تعالى على أفرايم و داود عليهما السلام لفظ "بِكري "، و في الشاهد رقم 2 أطلق على إسرائيل ( أي يعقوب عليه السلام ) لقب " ابني البكر "و في الشاهد رقم 3 اعتبر سليمان أو المسيح عليهما السلام (حسب تفسير البشارة) ابناً له كذلك. فلو كان إطلاق مثل هذه العبارة، أعني عبارة البنوة لله، على نبي عظيم، يفيد إلـهيته لكان كل من اسرائيل و داود وأفرايم و سليمان عليهم السلام آلهة!! بل أحق بالألوهية من عيسى عليه السلام، لإن الابن البكر أقرب للأب من غيره و أحق بالإكرام بحسب الشرائع السابقة و بحسب العرف الرائج بين الناس في احترام الابن البكر!.

و أما إطلاق عبارة " أبناء الله و بناته " أو " أولاد الله " أو " ابني البكر" على جميع بني إسرائيل فقد تكرر مرات عديدة في كتاب " العهد القديم " و فيما يلي بعض النماذج على ذلك:

(1) في سفر التثنية من التوراة خطاباً لبني إسرائيل: " أنتم أولاد للرب إلـهكم " تثنية: 14/1.

(2) و في نفس السفر: " فرأى الرب و رذل من الغيظ بنيه و بناته" تثنية: 32/19

(3) و في سفر المزامير (الزبور) لداود عليه السلام: " أنا قلت إنكم آلهة، و بني العلـيِّ كلكم. لكن مثل الناس تموتون و كأحد الناس تسقطون " المزامير 82 / 6 ـ7.

(4) و في سفر إشعيا يقول الرب عن بني إسرائيل: " ربيت بنين و نشَّأْتهم. أما هم فعصوا علي " إشعيا: 1/2.

(5) و فيه أيضا: "و قد قال حقا إنهم شعبي، بـنـون لا يخونون " إشعيا: 63/8.

(6) و في سفر هوشع: " لكن يكون عدد بني إسرائيل كرمل البحر الذي لا يكال و لا يعد و يكون عوضا عن أن يقال لهم لستم شعبي يقال لهم أبناء الله الحي" هوشع: 1/ 10.

(7) و في نفس السفر أيضا: " لما كان إسرائيل غلاما أحببته و من مصر دعوت ابني" هوشع: 11 / 1.

أعتقد أن كل هذه الشواهد تكفي للاقتناع بأن لفظ " ابن الله الحي " أو " ابني " أو " أولاد الله " لا يراد منها ـ في لغة الكتاب المقدس ـ البنوة الحقيقية و الولادة الواقعية بالمعنى الحرفي للكلمة، و إلا لكان جميع بني إسرائيل آلهة! و إنما المراد بها نوع من العلاقة المعنوية الوثيقة التي تدل على اعتناء و اختصاص و عطف من الله بمن أُطْلِقَ عليهم أبناؤه أو أولاده، فهي في غاية الأمر بنوَّة معنوية فحسب [3] .

و لذلك ورد، في العهد القديم، إطلاق لفظ: " أبناء الله " على الملائكة أيضا، كما جاء في سفر النبي أيوب عليه السلام مثلا: " و اتفق يوما أن دخل بنو الله ليمثلوا أمام الرب و دخل الشيطان أيضا بينهم " أيوب:1/6، و مثله في: 2/1. و طبعا لا أحد من النصارى و لا اليهود يعتقد ببنوة الملائكة الحقيقية لله عز و جل و لا ببنوة أي من الأنبياء لله عز و جل بالمعنى الحقيقي، بل يأخذون هذه البنوة على معنى مجازي محض. و كان ينبغي لهم أن يفهموا تعبير ابن الله الذي أطلق على المسيح بمقتضى نفس هذه اللغة، لغة الكتاب المقدس، التي نشأ عليها المسيح نفسه و كان يخاطب اليهود الذين تشبعوا بها لأنها لغة كتابهم المقدس (العهد القديم) الذي يقرؤنه على الدوام و يدرسونه، على نفس ذلك المعنى المجازي، أي بأنها بنوة اختصاص و محبة و ولاية و نحو ذلك، لكن للأسف قبلوا بهذا المعنى المجازي في كل مكان إلا هنا، أضلهم الشيطان، فأخذوه على معنى حرفي و نسبوا لله تعالى الولادة الحقيقية جاعلين المسيح ابنه الذي خرج منه حقيقة!! تعالى الله عن التولد و الولادة و أن يكون له ولد أو نظير أو معين أو شريك.

و الحقيقة أن استخدام تعبير الابن و الولد بالمعنى المجازي هو من الاستخدامات الشائعة في كل لغة، فمثلا في لغتنا العربية العامية كثيرا ما نقول هذا ابن حلال أو ذاك ابن حرام، أو نقول هذا ابن مصلحة، أو نقول يا أبناء مدينة كذا... الخ و بديهي أنه لا شيء من الحلال أو الحرام و المصلحة أو المدينة يلد بالمعنى الحقيقي! و إنما المقصود نوع من الصلة بين ما سُمِّيَ ابناً و ما جُعِلَ أباً له، وكذلك كان في اللغة القديمة، لذلك نجد في العهد الجديد هذا التوسع في الاستخدام المجازي للفظ " الابن " واضحا، ففي إنجيل متى مثلا (23/15) يطلق المسيح عليه السلام على المستحق لدخول النار عبارة: " ابن جهنم"، و على أهالي أورشليم عبارة " أولاد أورشليم "(متى:23/37)، و على أهل هذه الدنيا عبارة "أبناء الدهر" (لوقا: 20/34)، و على المستحقين لعالم القيامة و الحياة الأبدية الجديدة عبارة:" أبناء القيامة " (لوقا: 20/36)، كما أن بولس يخاطب في رسالته إلى أهل تسالونيكي (5/5) أهالي تلك المدينة فيقول: "جميعكم أبناء نور و أبناء نهار ".

فهل يجوز، بعد كل ذلك، الإصرار على تفسير عبارة: " ابن الله" المطلقة على المسيح، تفسيرا حرفيا رغم كل هذه الشواهد اللغوية و الأدلة العقلية و النقلية على الاستخدام المجازي لهذه اللفظة في لغة الكتاب المقدس التي مرَّت؟

فإن قيل: إنما سمى الإنجيل عيسى عليه السلام بـ "الابن الوحيد " [4] لله مما يفيد أن بنوَّته لله بنوَّة فريدة متميزة لا يشاركه فيها أحد فهي غير بنوَّة أنبياء بني إسرائيل، لِـلَّه، وغير بنوَّة المؤمنين الأبرار الصالحين عموما أو بنوَّة شعب بني إسرائيل أو الملائكة، لله.. الخ، فلا يبقى إلا أنها كذلك لأنها بنوَّة حقيقية جوهرية.

فجوابه: إن عبارة "الابن الوحيد " في الكتاب المقدس لا تعني بالضرورة الانفراد و الوحدانية الحقيقية بل قد يقصد بها الحظوة الخاصة و المنزلة الرفيعة، يدل على ذلك أن سفر التكوين من التوراة يحكي أن الله تعالى امتحن إبراهيم عليه السلام فقال له: "يا إبراهيم! فقال: هأنذا. فقال: خذ ابنك وحيدك الذي تحبه، اسـحق، و اذهب إلى أرض المـريا... " تكوين: 22/1ـ2.

فأطلق الكتاب المقدس على اسحق لقب الابن الوحيد لإبراهيم، هذا مع أنه، طبقا لنص التوراة نفسها، كان اسماعيل قد وُلِد لإبراهيم، قبل إسحق، كما جاء في سفر التكوين: " فولدت هاجر لأبرام ابنا و دعا أبرام اسم ابنه الذي ولدته هاجر: اسماعيل. كان أبرام ابن ست و ثمانين لما ولدت هاجر اسماعيل لأبرام " تكوين: 16 / 15 ـ 16، ثم تذكر التوراة أنه لما بلغ إبراهيم مائة سنة بشر بولادة إسحـق (سفر التكوين: 17 / 15 إلى 20)، و بناء عليه لم يكن اسحق ابناً وحيداً لإبراهيم بالمعنى الحقيقي للكلمة، مما يؤكد أن تعبير " الابن الوحيد " لا يعني بالضرورة ـ في لغة الكتاب المقدس ـ معنى الانفراد حقيقة، بل هو تعبير مجازي يفيد أهمية هذا الابن و أنه يحظى بعطف خاص و محبة فائقة و عناية متميزة من أبيه، بخلاف سائر الأبناء، و لا شك أن محبة لله تعالى للمسيح و عنايته به أرفع و أعلى و أعظم من عنايته بجميع الملائكة و جميع من سبقه من الأنبياء لذا صح إطلاق تعبير: " ابني الوحيد" عليه.

 

الشبهة الثانية

تأكيد عيسى عليه السلام مراراً على أن الله تعالى " أباه "


بسط هذه الشبهة :

جاء في مواضع عدة من الإنجيل تعبير المسيح عليه السلام عن الله سبحانه و تعالى: بـِ "أبي" أو "الآب" فقالوا إن هذا يدل ـ حسب ظاهره ـ على أن الله تعالى أبو عيسى عليه السلام الحقيقي و بالتالي فعيسى مولود منه فهو إله مثل أبيه! تعالى الله عما يصفون. و فيما يلي بعض آيات الإنجيل التي ورد فيها هذا التعبير:

(1) في إنجيل متى: " ليس كل من يقول لي يا رب يا رب يدخل ملكوت السموات بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السموات " متى: 7 / 21.

و فيه أيضا: " كل شيء قد دفع إلي من أبي و ليس أحد يعرف الابن إلا الآب و لا أحد يعرف الآب إلا الابن و من أراد الابن أن يعـلن له " متى: 11/27.

و فيه أيضا: " و أما ذلك اليوم و تلك الساعة فلا يعلم بهما أحد و لا ملائكة السموات إلا أبي وحده " متى: 24 / 36.

(2) و في إنجيل لوقا: " فقال يسوع: يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لايعلمون ماذا يفعلون " لوقا: 23 / 34.

و فيه أيضا: " و نادى يسوع بصوت عظيم و قال: يا أبتاه في يديك أستودع روحي " لوقا: 23 / 46.

ـ و تكرر هذا التعبير كثيرا في إنجيل يوحنا حتى لا تكاد تخلو منه صفحة منه.



الإجابة عن هذه الشبهة:

أولا: حسب الإنجيل نفسه، لم يكن عيسى يعتبر الله تعالى أباه لوحده فقط، بل كان يعتبره أيضا أبَ جميع المؤمنين أيضا، فإذا أطلق على الله تعالى عبارة " أبي" فقد أطلق مرارا كذلك عبارة: " و أبيكم "، بلا أي فرق، بل علَّم المؤمنين أن يبدؤا صلاتهم اليومية بقولهم: " أبانا الذي في السموات ليتقـدَّس اسمك.. الخ " [5] ، فإذا كانت أبوة الله لعيسى تدل على إلـهيته فإذن أبوة الله لنا تدل على إلـهيتنا نحن كذلك، و هذا أمر باطل باتفاق الجميع، فثبت أن هذه الأبوة هي أبوة معنوية، أي أبوة بالمعنى المجازي، معناها أن الله تعالى هو بالنسبة للمسيح عليه السلام و للمؤمنين، بمنزلة الأب العطوف في رحمته و رأفته و عنايته الفائقة و شفقته على أبنائه و إرادته الخير لهم، تماما كما هو المراد من بنوَّة عيسى و الأبرار الصالحين لله تعالى الذي شرحناه في جواب الشبهة الأولى.

و لمزيد من التوضيح نسوق فيما يلي بعض الشواهد الإنجيلية :

(1) في إنجيل يوحنا (20/17): " قال لها يسوع: لا تلمسيني لأني لم أصعد بعد إلى أبي. و لكن اذهبي لإخوتي و قولي لهم: إني أصعد إلى أبي و أبـيكم و إلـهي و إلـهكم ".


قلت: ففي هذا النص ساوى المسيح بين أبوَّة الله له و أبوَّته لنا.

(2) و في إنجيل متى (5/45 و 48): "... و صلوا لأجل الذين يسيئون إليكم و يطردونكم لكي تكونوا أبناء أبـيكم الذي في السموات... فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل... ".

(3) و في الإصحاح السادس فقط من إنجيل متى يتكرر لفظ الأب مضافا للمؤمنين إثنا عشر مرة حيث يقول المسيح: "و أما أنت فمتى صليتَ فادخل إلى مخدعك و أغلق بابك و صلِّ إلى أبيك الذي في الخفاء. فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية، و حينما تصلون لا تكرروا الكلام باطلا كالأمم فإنهم يظنون أنهم بكثرة كلامهم يستجاب لهم. فلا تتشبهوا بهم. لأن أباكم يعلم ما تحتاجون إليه قبل أن تسألوه. فصلوا أنتم هكذا: أبانا الذي في السموات، ليتقدَّس اسمك... إلخ "

(4) و في إنجيل لوقا (6/36): " فكونوا رحماء كما أن أباكم أيضا رحيم "

فلو كانت أبوَّة الله لشخص تفيد إلـهيته للزم ـ حسب هذه النصوص الإنجيلية ـ أن يكون كل المؤمنين آلهة! فإذا بطل هذا اللازم بطل ملزومه.

ثانيا: في الكتاب المقدس، ليس سيدنا عيسى عليه السلام وحده فقط الذي يعتبر الله تعالى " أباه " مخاطبا إياه بـِعبارة: " أبي " أو " يا أبتي " أو " يا أبتاه "، بل مثل هذا التعبير بعينه جاء على لسان بعض الأنبياء السابقين كسيدنا داود و سيدنا سليمان و سيدنا إشعيا عليهم السلام، و فيما يلي ذكر هذه الشواهد:

(1) في زبور داود عليه السلام المسمى بسفر المزامير (89/20ـ21 و26ـ27): " وجدتُ داود عبدي. بدهن قدسي مسحته. الذي تثبت يدي معه. أيضا ذراعي تشدِّده... هو يدعوني أبي أنت، إلـهي و صخرة خلاصي. أنا أيضا أجعله بكرا على ملوك الأرض ".

(2) و في سفر صموئيل الثاني (7/14) أن الله تعالى يبشِّر عبده داود عليه السلام بسليمان عليه السلام فيقول: " أقيم من يخـلُفُكَ، من نسلك الذي يخرج من صلبك، و أثبـِّت ملكه فهو يـبـني بيتا باسمي و أنا أثبـِّت عرش ملكه للأبد، أنا أكون له أبـاً و هو يكون لي ابنـاً "

(3) و في سفر إشعيا، يخاطب إشعيا الله تعالى بقوله: "... فإنك أنت أبونا. إبراهيم لم يعرفنا. و إسرائيل لم يعلم بنا. أنت يا رب أبـونا. منذ الأزل اسمك فادينا " [6] إشعيا: 63 / 16.

(4) و فيه أيضا: "... و الآن يا رب أنت أبـونـا. نحن الطين و أنت جابلنا و كلنا عمل يديك " إشعيا: 64 / 8.

ففي لغة الكتاب المقدس، درج الأنبياء على اعتبار الله تعالى أباهم لا على المعنى الحقيقي بل المجازي، فكذلك كان مقصود المسيح عليه السلام ـ الذي نشأ على تعاليم ولغة الكتاب المقدس و كان يخاطب اليهود القارئين لذلك الكتاب ـ من استخدامه هذا التعبير بعينه.

 

الشبهة الثالثة

قول المسيح عليه السلام : " أنا و الآب واحد "

و هذه العبارة التي جاءت في إنجيل يوحنا (10/ 30)، كثيرا ما يستند إليها المبشرون لإثبات إلـهية المسيح، و يطنطنون بها كثيرا معتبرين إيَّاها دليلا صريحا، و ما هي بذلك على الإطلاق، كما سيتبين الآن بوضوح إن شاء الله.



الإجابة عن هذه الشبهة :

كمقدمة نقول إن أي عبارة جاءت في وسط كلام ما، إذا أردنا أن نفهمها على وجهها الصحيح و ندرك المقصود منها بالضبط، لا يجوز أن نقتطعها من سياقها الذي جاءت فيه و نفصلها عمَّا سبقها و ما يلحقها، بل لا بد من فهمها ضمن سياق الكلام الذي جاءت فيه. لذا لا بد لنا أن ننظر تمام كلام المسيح عليه السلام الذي ناقش به اليهود و الذي جاءت هذه العبارة في وسطه:

جاء في إنجيل يوحنا (10/ 22 ـ 36):

" و كان عيد التجديد في أورشليم و كان شتاء. و كان يسوع يتمشَّى في الهيكل في رواق سليمان. فاحتاط به اليهود و قالوا له: إلى متى تعلق أنفسنا؟ إن كنت أنت المسيح فقل لنا جهرا. أجابهم يسوع: إني قلت لكم و لستم تؤمنون. الأعمال التي أنا أعملها باسم أبي هي تشهد لي و لكنكم لستم تؤمنون لأنكم لستم من خرافي كما قلت لكم. خرافي تسمع صوتي و أنا أعرفها فتتبعني. و أنا أعطيها حياة أبدية و لن تهلك إلى الأبد و لا يخطفها أحد من يدي. أبي الذي أعطاني إياها هو أعظم من الكل و لا يقدر أحد أن يخطف من يد أبي. أنا و الآب واحد.

فتناول اليهود أيضا حجارة ليرجموه. أجابهم يسوع: أعمالا كثيرة حسنة أريتكم من عند أبي، بسبب أي عمل منها ترجمونني؟ أجابه اليهود قائلين: لسنا نرجمك لأجل عمل حسن بل لأجل تجديف. فإنك و أنت إنسان تجعل نفسك إلـها. أجابهم يسوع: أليس مكتوبا في ناموسكم " أنا قلت إنكم آلـهة"؟ فإن قال آلهة لأولـئك الذين صارت إليهم كلمة الله ـ و لا يمكن أن ينقض المكتوب ـ فالذي قدَّسه الآب و أرسله إلى العالم، أتقولون له إنك تجدِّف لأني قلت إني ابن الله؟ "


قلت: في البداية ينبغي أن نوضح أن قول المسيح عليه السلام: أليس مكتوبا في ناموسكم: أنا قلت إنكم آلهة، هو إشارة منه لآيتين وردتا في سفر المزامير الموحى لداود عليه السلام من كتاب العهد القديم و هما الآيتان 6 و 7 من المزمور 82، و تمام الآيتين كما يلي: " أنا قلت إنكم آلهة و بنو العليِّ كلكم، لكن مثل الناس تموتون و كأحد الرؤساء تسقطون ".

فالآن نقول: أولا: لو تأملنا ما قاله المسيح عليه السلام لليهود بعد اعتراضهم على قوله: " أنا و الآب واحد " لتبين لنا بكل وضوح مراده عليه السلام من هذا القول.

و تفصيل ذلك أن اليهود لما أنكروا على المسيح عليه السلام قوله: " أنا و الآب واحد" لأنهم ظنوا أن المسيح أراد منه معناه الحرفي الظاهر و هو جعل نفسه عين الله تعالى، تبرَّأ المسيح من إرادة ذلك المعنى و بين أن مقولته تلك هي من قبيل التجوُّز، و بين لهم جهة التجوِّز، فقال ما فحواه أن كتابكم المقدس قد جاء فيه تسمية داود لكم بالآلهة، و طبعا ليس المراد منه أنكم آلهة حقيقة، إنما أطلق عليكم هذا اللفظ لمعنى و هو صيرورة كلام الله و وحيه إليكم، فكذلك أنا الذي شاركتكم في صيرورة كلام الله و وحيه إليِّ، لماذا تنكرون عليِّ استخدام نفس هذا التعبير المجازي في حقي؟!

و حاصل كلامه أن هذا التعبير ضرب من المجاز استعماله حسن شائع غير منكر و قد صرَّح عيسى عليه السلام في النص المذكور بجهة المجاز، بقوله: " إن قال آلهة لأولـئك الذين صارت لهم كلمة الله ".

و ليس المراد بالكلمة هنا طبعا لفظا ذا حروف، و إنما أراد بالكلمة سرا يهبه الله لمن يشاء من عباده، يحصل لهم به التوفيق إلى ما يصيِّرهم غير مباينين لله ، بل يصيِّرهم لا يحبون إلا ما يحبه، و لا يبغضون إلا ما يبغضه و لا يكرهون إلا ما يكرهه، و لا يريدون إلا ما يريده من الأقوال و الأعمال اللائقة بجلاله.

فإذا صار بهم التوفيق إلى هذه الحالة، حصل لهم المعنى المصحِّح للتجوُّز، هذا و يؤكد صحة التأويل الصارف إلى المجاز المذكور أنه عليه السلام احترز عن إرادة ظاهر هذا النص الدال على الاتحاد، بقوله:" فكيف تقولون لي أنا الذي قدسه الآب وأرسله إلى العالم أنت تكفر لأني قلت أنا ابن الله؟ "

 فصرح عيسى عليه السلام بهذا أنه غير الآب، بل أن الآب هو الذي قدسه و أرسله، فهو رسولٌ لِلَّه و ليس هو عين الله، متبرأً بهذا من الإلـهية التي تخيل اليهود أنه ادعاها لنفسه، مثبتا لنفسه خصوصية الرسل و الأنبياء فحسب.

هذا و لو كان مراد عيسى عليه السلام من قوله " أنا و الآب واحد " هو مفهومه الظاهر و أنه عين الله تعالى نفسه، لكان جهر بذلك و صرح به و لم يكن يتهرَّب من هذا المعنى، و لكان ما فعله من تهربه من إظهار ذلك و إنكاره له بما ضربه لهم من مثال على أن هذا مجاز لا حقيقة، مغالطة منه و غشا في الدعوة و تحريفا للعقيدة التي يؤدي الجهل بها إلى سخط الله، و هذا لا يليق بالأنبياء المرسلين الهادين إلى الحق.


فإن قيل: إنما ضرب لهم المثل لاتقاء شرهم و ليدفع عن نفسه أذاهم، قلنا: الخوف من اليهود لا يليق بمن يُدَّعى فيه أنه إلـه العالم و موجد الكائنات؟! ثم إن كان هو الإله الذي يجب أن يعبد حقا، و قد غشهم و صرفهم عن اعتقاد ذلك، يكون قد أضلهم عن أساس الدين و أمرهم بعبادة غيره، و هذا لا يليق بمن يُدَّعى فيه أنه أتى لخلاص العالم، بل لا يليق بمن انتصب للإرشاد و الهداية من عامة الناس، فضلا عمن صرح بأنه رسول هاد مرشد [7] .

ثانيا: هذا التعبير الذي أطلقه عيسى على نفسه، بأنه و الآب واحد، أطلقه بعينه تماما على الحواريين عندما قال في نفس إنجيل يوحنا هذا: " و لست أسأل من أجل هؤلاء فقط، بل أيضا من أجل الذي يؤمنون بي بكلامهم [8] ليكون الجميع واحدا كما أنك أنت أيها الآب فـيَّ و أنا فيك، ليؤمن العالم أنك أرسلتني، و أنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني، ليكونوا واحدا كما أننا نحن واحد. أنا فيهم و أنت فيَّ ليكونوا مكملين إلى واحد" إنجيل يوحنا: 17/ 20 ـ 23.

إذن فالوحدة هنا ليس المقصود منها معناها الحرفي، أي الانطباق الذاتي الحقيقي، و إنما هي وحدة مجازية أي الاتحاد بالهدف و الغرض و الإرادة، و هذا ظاهر جدا من قوله " ليكونوا هم أيضا واحدا فينا "و قوله: " ليكونوا واحدا كما أننا نحن واحد، أنا فيهم و أنت فيَّ ليكونوا مكملين إلى واحد "، حيث دعى الله تعالى أن تكون وحدة المؤمنين الخلَّص مع بعضهم البعض مثل وحدة المسيح عليه السلام مع الله سبحانه وتعالى ، و لا شك أن وحدة المؤمنين مع بعضهم البعض و صيروتهم واحدا ليست بأن ينصهروا مع بعض ليصبحوا إنسانا واحدا جسما و روحا!! بل المقصود أن يتحدوا بع بعضهم بتوحد إرادتهم و مشيئتهم و محبتهم و عملهم و غرضهم و هدفهم و إيمانهم...الخ أي هي وحدة معنوية، فكذلك الوحدة المعنوية بين الله تعالى و المسيح.


و يؤكد ذلك أنه عليه السلام دعا الله تعالى لوحدة الحواريين المؤمنين ليس مع بعضهم البعض فحسب بل مع المسيح و مع الله تعالى أيضا، بحيث تجعل الجميع واحدا، فلو كانت وحدة المسيح مع الله هنا تجعل منه إلـها، لكانت وحدة الحواريين مع المسيح و مع الله تجعل منهم آلهة أيضا!! و للزم من ذلك أن المسيح يدعو الله تعالى أن يجعل تلاميذه آلهة، و خطور ذلك ـ كما يقول الإمام أبي حامد الغزالي [9] ـ ببال من خلع ربقة العقل، قبيح، فضلا عمن يكون له أدنى خيار صحيح، بل هذا محمول على المجاز المذكور، و هو أنه عليه السلام سأل الله تعالى أن يفيض عليهم من آلائه و عنايته و توفيقه إلى ما يرشدهم إلى مراده اللائق بجلاله بحيث لا يريدون إلا ما يريده و لا يحبون إلا ما يحبه و لا يبغضون إلا ما يبغضه، و لا يكرهون إلا ما يكرهه، و لا يأتون من الأقوال و الأعمال إلا ما هو راض به، مؤثر لوقوعه، فإذا حصلت لهم هذه الحالة حسن التجوز.

و يدل على صحة ذلك أن إنسانا لو كان له صديق موافق غرضه و مراده بحيث يكون محبا لما يحبه و مبغضا لما يبغضه كارها لمايكرهه، حسن أن يقال: أنا و صديقي واحد. و يتأكد هذا المعنى المجازي لعبارة المسيح عليه السلام إذا لا حظنا الكلام الذي جاء قبلها و أن المسيح كان يقول أن الذي يأتي إلي و يتبعني أعطيه حياة أبدية و لا يخطفه أحد مني، لأن أبي الذي هو أعظم من الكل هو الذي أعطاني أتباعي هؤلاء و لا أحد يستطيع أن يخطف شيئا من أبي، أنا و أبي واحد، يعني من يتبعني يتبع في الحقيقة أبي لأنني أنا رسوله و ممثل له و أعمل مشيئته فكلانا شيء واحد. و هذا مثل قوله تعالى عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : " من يطع الرسول فقد أطاع الله "، و أعتقد أن قصد الوحدة المجازية واضح جدا.

و قد جاء نحو هذا التعبير بالوحدة المجازية مع الله، عن بولس أيضا في إحدى رسائله و هي رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس (6 / 16 ـ17) حيث قال: " أم لستم تعلمون أن من التصق بزانية هو جسد واحد لأنه يقول: يكون الاثنان جسدا واحدا؟ و أما من التصق بالرب فهو روح واحد "، و عبارة الترجمة العربية الكاثوليكية الجديدة: " و لكن من اتحد بالرب صار و إياه روحا واحدا ".

فكل هذا يثبت أن الوحدة هنا لا تفيد أن صاحبها هو الله تعالىعينه ـ تعالى الله عن ذلك ـ و إنما هي وحدة مجازية كما بينا.

و يشبه هذا عندنا في الإسلام ما جاء في الحديث القدسي الشريف الصحيح الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن خاتم المرسلين محمد صلى الله عليه و آله و سلم أنه قال: إن الله تعالى يقول "... و ما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به و يده التي يبطش بها و رجله التي يمشي بها... الحديث "[10]


و لا شك أنه ليس المقصود من الحديث أن الله تعالى يحل بكل جارحة من هذه الجوارح، أو أنه يكون هذه الجوارح بعينها!! لأن هذا من المحال، بل المقصود أنه لما بذل العبد أقصى جهده في عبادة الله و طاعته، صار له من الله قدرة و معونة خاصتين، بهما يقدر على النطق باللسان، و البطش باليد.. وفق مراد الله عز و جل و طبق ما يشاؤه الله تعالى و يحبه. و الله أعلم.

و لذلك يقول من أقدر شخصا على أن يضرب بالسيف، و لولاه لما قدر على ذلك: أنا يدك التي ضربت بها.

 

الشبهة الرابعة

قول عيسى عليه السلام : " الآب فيَّ و أنا في الآب " [11]


الإجابة عن هذه الشبهة:

الاستدلال بأمثال هذه العبارات على إلـهية المسيح ضعيف و باطل أيضا من عدة وجوه:

أولا: هذه النصوص واجبة التأويل عند جمهور أهل التثليث لكونهم جميعا لا يؤمنون بظاهرها الحرفي الذي يفيد حلول الله الآب في عيسى الناصري البشر، لأن جمهور المسيحيين يرون أن الله الابن ـ و ليس الآب ـ هوالذي تجسد في المسيح عليه السلام، و لذلك فهذا النص يؤولونه بأن المقصود بعبارة: " الآب فيَّ و أنا في الآب " اتحاد الآب و الابن في الجوهر أي الاتحاد الباطني، و إن كانا شخصيتين منفصلتين.

ثم يصححون حلول الله الابن في عيسى البشر الذي كان الناس يرونه ـ رغم أن الله تعالى لا يرى و لا تدركه الأبصار باتفاق المسيحيين كلهم ـ بأن المسيح كان إنسانا كاملا و إلـها كاملا بنفس الوقت! و لذلك صح هذا الحلول باعتبار لاهوته، و لكننا سبق و أن بينا بالتفصيل أن هذا باطل و مخالف لصريح العقل و بديهيات المنطق و الوجدان [12] .

إذن لا مجال للأخذ بظاهر هذا النص و بمعناه الحرفي بل لا بد من المصير إلى معنى مجازي لهذا الاتحاد المذكور، و سيأتيك فيما يلي توضيح هذا المعنى المجازي استنادا إلى نصوص متشابهة من نفس الإنجيل و رسائل القديسين.

ثانيا: في نفس الإصحاح من إنجيل يوحنا الذي جاءت فيه تلك العبارة، جاء في الآية 20 منه قول المسيح عليه السلام أيضا: " في ذلك اليوم تعلمون أني أنا في أبي و أنتم فيَّ و أنا فيكم " يوحنا: 14 / 20.

كذلك مر معنا في الشبهة الماضية قول المسيح عليه السلام في دعائه الله تعالى لأجل التلاميذ:

" ليكون الجميع واحدا كما أنك أيها الآب فِـيَّ وأنا فيك ليكونوا هم أيضا فينا ليؤمن العالم أنك أرسلتني... (إلى قوله) أنا فيهم و أنت فـيَّ ليكونوا مكمِّـلين إلى واحد.." إنجيل يوحنا: 17 / 21 ـ 23.

فالمسيح عليه السلام لم يقل أن الله تعالى فيه و هو في الله فقط، بل كذلك قال أن الحواريين أيضا هم في المسيح و المسيح فيهم، و دعا أيضا الله تعالى أن يكون الحواريون في الله و في المسيح أيضا فقال: ليكونوا هم أيضا فينا!

فإذا كانت الكينونة " في الله " تعني الإلـهية، فإذن المسيح يدعو الله تعالى أن يصير تلاميذه آلهة! و هذا لا يقول به مسيحي.

ثم لما كان ـ حسب تلك العبارات ـ الآب في المسيح و المسيح في التلاميذ، إذن، الآب في التلاميذ أيضا لأن الحالَّ في حالٍٍّ في محلٍٍّ، حالٌّ أيضا في ذلك المحلِّ، فإذا كان ثبات الله تعالى في المسيح يدل على ألوهيته، فإن ثبات الله تعالى في التلاميذ يعني ألوهيتهم أيضا!! و هذا ما لا يعتقده مسيحي، إذن هذا الاتحاد في المحل و هذه الكينونة أو الثبات في الله، ليست مرادة بمعناها الحرفي، بل المراد منها معنى مجازي، فما هو؟ إن الحواريين أنفسهم و كتَّاب الرسائل الملحقة بالأناجيل في العهد الجديد حلوا لنا هذا الإشكال بكل وضوح، و هذا ما نراه في النقطة التالية:

ثالثـا: لقد جاءت مثل هذه التعبيرات مرات عديدة في رسائل العهد الجديد المكملة للأناجيل، و منها يظهر مرادهم من حلول الله تعالى أو ثباته في شخص، و فيما يلي بعض هذه النصوص التي تظهر إرادة هذا المعنى المجازي من تعبير الحلول و الثبات في الله:

(1) جاء في رسالة يوحنا الأولى (4/ 12ـ 15):

" الله لم ينظره أحد قط، إن أحب بعضنا بعضا فالله يثبت فينا و محبته قد تكملت فينا. بهذا نعرف أننا نثبت فيه و هو فينا أننا قد أعطانا من روحه. و نحن قد نظرنا و نشهد أن الله قد أرسل الابن مخلِّصا للعالم. من اعترف أن يسوع هو ابن الله فا لله يثبت فيه و هو في الله ".

(2) و جاء في رسالة بولس الثانية إلى أهل كورنثوس (6 / 16):

" فإنكم أنتم هيكل الله الحي، كما قال الله: أني سأسكن فيهم و أسير بينهم و أكون لهم إلـها و هم يكونون لي شعبا "

قلت: فمن هذه النصوص يتضح جليَّاً أن مرادهم من تعبير ثبات الله تعالى في المؤمنين المطيعين، هو أنه تعالى معهم و مؤيد لهم و محب و ناصر لهم و أنه تعالى جعل إرادتهم مثل إرادته و مشيئتهم كمشيئته، إذ لو كان ثبات الشخص في الله أو ثبات الله فيه مشعرا بالاتحاد و مثبتا للألوهية للزم أن يكون الحواريون، بل جميع أهل كورنثوس و جميع الصالحين آلهة!!، فكذلك تماما ثبات الله تعالى في المسيح و ثبات المسيح فيه معناه أن ما يقوله المسيح و يفعله هو قول الله تعالى و فعله و مطابق لمشيئته و منطلق من تأييده و محبته و رضوانه، فإرادتهما متحدة و هدفهما واحد.

 

الشبهة الخامسة

قول المسيح عليه السلام : " الذي رآني فقد رأى الآب " يوحنا:14 / 9.


مناقشة هذه الشبهة :

لفهم هذه العبارة لا بد أن نلاحظ تمام الكلام الذي جاءت في وسطه. لقد جاءت هذه العبارة ضمن حوار، رواه يوحنا في إنجيله (14/1 ـ 10)، جرى بين المسيح عليه السلام و تلاميذه الإثني عشر، في العشاء الأخير، و فيه يقول المسيح:

" لا تضطرب قلوبكم. أنتم تؤمنون بالله فآمنوا بي. في بيت أبي منازل كثيرة. و إلا فإني كنت قد قلت لكم. أنا أمضي لأعد لكم مكانا. و إن مضيت و أعددت لكم مكانا آتي أيضا و آخذكم إلى حيث أنا تكونون أنتم أيضا. و تعلمون حيث أنا أذهب و تعلمون الطريق. قال له توما: يا سيد لسنا نعلم أين تذهب كيف نقدر أن نعرف الطريق ؟ قال له يسوع: أنا هو الطريق و الحق و الحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي. لو كنتم قد عرفتموني لعرفتم أبي أيضا. و من الآن تعرفونه و قد رأيتموه. قال له فيليبس: يا سيد أرنا الآب و كفانا. قال له يسوع: أنا معكم زمانا هذه مدته و لم تعرفني يا فيليبس. الذي رآني فقد رأى الآب فكيف تقول أنت أرنا الآب ؟ ألست تؤمن أني أنا في الآب و الآب فـيَّ؟ الكلام الذي أكلمكم به ليس أتكلم به من نفسي لكن الآب الحالَّ فيَّ هو يعمل الأعمال "

و الآن نقول: إن الاستدلال بقول المسيح “ من رآني فقد رأى الآب “ على ألوهيته، استدلال في غاية الضعف، لأن المجاز في هذا التعبير، خاصة لمن يلاحظ السياق الذي جاء به، أوضح من أن يُسْتدل عليه.

فأولاً: لا يمكن أن يكون المعنى الحرفي مرادا، حتى عند جمهور النصارى، لأنه لا أحد منهم يعتقد أن ذلك الـمُشَاهَد، أي جسم عيسى المادي، هو الله تعالى أي الآب الذي في السموات نفسه! لأن الآب تعالى ليس بجسم و لا يُحَدُّ و لا يُرى، باتفاق جميع النصارى، لذلك يؤولون الرؤية هنا بالمعرفة و يقولون أن المعنى أن من عرفني و عرف حقيقتي اللاهوتية فقد عرف الآب، لكن سبق و بينا أنه من المحال أن يكون الشخص الواحد بعينه إلـها و بشرا بنفس الوقت، فهذا التأويل باطل.

إذن هم متفقون معنا على أن مثل هذا التعبير لا يراد به معناه الظاهري الحرفي أي تطابق المفعول به الأول للرؤية مع المفعول به الثاني لها، تطابقا حقيقيا تاما بكونهما شيئا واحدا، بل يراد به معنى مجازي، فلا بد من المصير إلى مجاز منطقي يقبله العقل و تساعد عليه النصوص الإنجيلية المماثلة الأخرى.

مثلاً في إنجيل لوقا (10/16) يقول المسيح عليه السلام لتلاميذه السبعين الذين أرسلهم اثنين اثنين إلى البلاد للتبشير :

" الذي يسمع منكم يسمعني و الذي يرذلكم يرذلني و الذي يرذلني يرذل الذي أرسلني "

و لا يوجد حتى أحمق فضلا عن عاقل يستدل بقوله عليه السلام : " من يسمعكم يسمعني "، على أن المسيح حالٌّ بالتلاميذ أو أنهم المسيح ذاته !


و كذلك جاء في إنجيل متى (10/40) أن المسيح عليه السلام قال لتلاميذه:

" من يقبلكم يقبلني و من يقبلني يقبل الذي أرسلني ".

و مثله ما جاء في إنجيل لوقا (9/48) من قول المسيح عليه السلام في حق الولد الصغير:

"من قبل هذا الولد الصغير باسمي يقبلني و من قبلني يقبل الذي أرسلني"

و وجه هذا المجاز واضح و هو أن شخصا ما إذا أرسل رسولا أو مبعوثا أو ممثلا عن نفسه فكل ما يُـعَامَلُ به هذا الرسول يعتبر في الحقيقة معاملة للشخص المرسِـل أيضا.

فالآن نعود لعبارتنا وللنص الذي جاءت فيه، فنرى أن الكلام كان عن المكان الذي سيذهب إليه المسيح و أنه ذاهب إلى ربه، ثم سؤال توما عن الطريق إلى الله، فأجابه المسيح أنه هو الطريق، أي أن حياته و أفعاله و أقواله و تعاليمه هي طريق السير و الوصول إلى الله، ثم يطلب فيليبس من المسيح أن يريه الله، فيقول له متعجبا: كل هذه المدة أنا معكم و ما زلت تريد رؤية الله، و معلوم أن الله تعالى ليس جسما حتى يرى، فمن رأى المسيح و معجزاته و أخلاقه و تعاليمه التي تجلى فيها الله تبارك و تعالى أعظم تجل، فكأنه رأى الله، ثم شرح المسيح ذلك ـ و هنا بيت القصيد ـ فقال: " إن الكلام الذي أقوله لكم لا أقوله من عندي بل الآب الحال في يعمل أعماله صدقوني أني في الآب و الآب فيَّ "، و هنا نعيد للأذهان إجابتنا عن الشبهة السابقة و أن حلول الله في الشخص و العكس المقصود منه، بلغة الإنجيل، تـو لِّـي الله لهذا الشخص و نشوء التوافق الكامل بينه و بين الله في الإرادة و الهدف و القصد و المشيئة و المحبة أو بتعبير الصوفية المحو عن النفس و الفناء في الله.

و حاصل الكلام أن المسيح لما كان رسولَ الله و كلمتَه و روحا منه و كان لا يتكلم إلا بأمره و وحيه و كانت أعماله و معجزاته و تعاليمه كلها من عند الله و بأمر الله و برضا الله و فيها تجلى الله و عرف مراده و تجلت صفاته، كان ممثلا عن الله، و بالتالي حسن التجوز بالتعبير من أن من رآه فقد رأى الله.


و نحو هذا المجاز كثير في العهد القديم كذلك، فعلى سبيل المثال، يقول الله تعالى على لسان النبي إرميا:

" أكلني ابتلعني بختنصر ملك بابل، جعلني كإناء فارغ، بلعني كتنين، ملأ بطنه من رخصتي و طردني " سفر إرميا: 51 / 34.

و جاء نحو هذا المجاز أيضا، في القرآن الكريم، كثيراً كقوله تعالى: " و ما رميت إذا رميت و لكن الله رمى " الأنفال/ 17. أو قوله سبحانه: " إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم " الفتح / 10، أو قوله تعالى : " من يطع الرسول فقد أطاع الله " النساء / 80.

 

الشبهة السادسة

قول عيسى عليه السلام : " أما أنا فمن فوق. أنتم من هذا العالم أما أنا فلست من هذا العالم "

قالوا: ففي هذا النص أكد اختلافه عنا نحن البشر و أنه ليس من هذا العالم المادي بل هو من فوق و أنه نزل إلى الأرض من السماء، فكل هذا يدل على أنه إلـهٌ نزل و تجسَّـد.



الرد على هذه الشبهة :

بالنسبة للآية الأولى فإن عيسى عليه السلام قال مثل هذا القول في حق تلاميذه أيضا، فقد جاء في إنجيل يوحنا هذا (15/19): " لو كنتم من العالم لكان العالم يحب خاصته و لكن لأنكم لستم من العالم بل أنا اخترتكم من العالم لذلك يبغضكم العالم "

و في الإصحاح 17 من هذا الإنجيل أيضا يقول عيسى في دعائه لأجل التلاميذ:

" أنا قد أعطيتهم كلامك و العالم أبغضهم لأنهم ليسوا من العالم كما أني لست من العالم. لست أسأل أن تأخذهم من العالم بل أن تحفظهم من الشرير. ليسوا من العالم كما أني لست من العالم " يوحنا: 17 / 14 ـ 15.

فقال في حق تلاميذه أنهم ليسوا من العالم و سوَّى بينه وبينهم في عدم الكون من هذا العالم، فلو كان هذا مستلزما للألوهية كما زعموا، للزم أن يكونوا كلهم آلهة ـ و العياذ بالله ـ [13] ، بل التأويل الصحيح لتلك الآية الإنجيلية هو: أنا لست من أبناء هذه الدنيا، أي الراكنين إليها المطمئنين بها الراغبين بها، بل من طلاب الله و الآخرة، الذين ليس في قلبهم تعلق و حب إلا لِلَّه، فأنا من أهل ذلك العالم العلوي القدسي عالم الأطهار و الملائكة، لأنه هو قبلتي و وجهتي و منه جئت برسالة الله و إليه أعود بعد أدائها.

فتعبيره نوع من المجاز، و هو مجاز شائع معروف، يقال فلان ليس من هذا العالم، يعني هو لا يعيش في الدنيا و لا يهتم بها و لا بمفاتنها بل همُّـهُ كله الله و الدار الآخرة فقط.

 

الشبهة السابعة

قوله عليه السلام : " و ليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء " [14]


الرد على هذه الشبهة:

أولا: في هذه الآية، جملة محرفة مضافة، و هي جملة " الذي هو في السماء " الأخيرة. و قد أقر بذلك شراح الأناجيل، كما جاء ذلك في كتاب تفسير الكتاب المقدس حيث قال: " الذي هو في السماء: هذه العبارة لم ترد في أقدم المخطوطات " [15] .

و لذلك فإن الترجمة العربية الجديدة المنقحة للكتاب المقدس التي قامت بها الرهبانية اليسوعية، حذفت هذه الجملة من ترجمتها و أوردت النص كما يلي: " فما من أحد يصعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء و هو ابن الإنسان ".

ثانيا: لوأخذنا النزول من السماء على معناه الحرفي فليس فيه أي إثبات لإلـهية المسيح، إذ أن نزول الشخص أو الكائن من السماء إلى الأرض لا يفيد إلـهيته لا من قريب ولا من بعيد، فكثير من الكائنات الملكوتية نزلت من السماء، كجبريل مثلا الذي كان ينزل من السماء إلى الأرض حاملا رسالات الله أو منفذا أمرا من أوامر الله عز و جل، كما أنه في كثير من الأحيان، هبطت بعض الملائكة إلى الأرض آخذة لباسا بشريا، كالملائكة الثلاثة، الذين جاؤوارا لزيارة إبراهيم عليه السلام و بشارته ثم ذهبوا إلى لوط عليه السلام ليطمئنوه حول نزول العذاب على قومه الفاسقين.

فأقصى ما يفيده مثل هذا النص، لو أخذ على معناه الحرفي، هو أن المسيح كان مخلوقا بالروح قبل أن يلد كإنسان على الأرض، ثم لما جاء وقته نزل بأمر الله إلى الأرض و ولد كسائر البشر بالجسد و الروح. فأين في هذا أي دليل على ألوهيته؟!

ثالثا:  والحقيقة أن هذا التعبير بنزول المسيح من السماء لا يقصد به معناه الحرفي بل هو ذو معنى مجازي، و لفهمه على وجهه الصحيح لا بدَّ أن نقرأ ذلك النص و تلك الآية ضمن سياقها سباقها و لحاقها، فقصة هذا الكلام تبدأ من أول الإصحاح الثالث في إنجيل لوقا هكذا:

" كان إنسان من الفريسيين اسمه نيقوديموس رئيسا لليهود. هذا جاء إلى يسوع ليلا و قال له يا معلم نعلم أنك قد أتيت من الله معلما لأن ليس أحد يقدر أن يعمل هذه الآيات التي أنت تعمل إن لم يكن الله معه. أجاب يسوع و قال له: الحق الحق أقول لك إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله. قال له نيقوديموس: كيف يمكن الإنسان أن يولد و هو شيخ؟ ألعله يقدر أن يدخل بطن أمه ثانية و يولد؟ أجاب يسوع: الحق الحق أقول لك، إن كان أحد لا يولد من الماء و الروح لا يقدر أن يرى ملكوت الله. المولود من الجسد جسد هو، و المولود من الروح هو روح. لا تتعجب أني قلت لك ينبغي أن تولدوا من فوق. الريح تهب حيث تشاء و تسمع صوتها لكنك لا تعلم من أين تأتي و لا إلى أين تذهب. هكذا كل من ولد من الروح. أجاب نيقوديموس و قال له: كيف يمكن أن يكون هذا؟ أجاب يسوع و قال له: أنت معلم إسرائيل و لست تعلم هذا؟ الحق الحق أقول لك، إننا إنما نتكلم بما نعلم و نشهد بما رأينا و لستم تقبلون شهادتنا. إن كنت قلت لكم الأرضيات ولستم تؤمنون فكيف تؤمنون إن قلت لكم السمويات. و ليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء " يوحنا: 3 / 1 ـ 13.


قلت: بتأمل هذا النص يتبين لنا أن المسيح عليه السلام يمثل للولادة الروحية الجديدة بالولادة من فوق أو الولادة من الروح، و أن من لم يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله، فالولادة من فوق أو من الروح، تعبير مجازي عن الانقلاب الروحي الشامل للإنسان الذي يشرح الله تعالى فيه صدره و يفتح قلبه و بصيرته لنوره، فتتغير كل رغباته و هدفه في الحياة حيث يخرج عن عبادة ذاته و حرصه على الدنيا لتصبح إرادته مستسلمة و موافقة لإرادة الله و يصبح هدفه هو الله تعالى و رضوانه و محبته و صحبته و جواره في دار السلام لا غير، فكأنه بهذا ولد من جديد، و من هذا المنطلق يقول المسيح عن نفسه أنه نزل من السماء: أي أنه رسول الله و مبعوث السماء، اجتباه الله و قدسه و جعله سفيره إلى الخلق، فهذا معنى نزوله من السماء، بدليل مقارنته و مشابهته عليه السلام بين هذا النزول من السماء و بين الولادة من فوق التي يجب أن يحصل عليها كل إنسان لكي يرى ملكوت الله.

و لو رجعنا لتفسير الكتاب المقدس لوجدناه يفسر العبارة بتفسير غير بعيد عما ذكرناه فيقول: " (12) لم يصعد أحد إلى السماء، و مع ذلك فقد أراد الله أن يكون هناك نزول من السماء إلى الأرض (13) قد أتى يسوع من السماء بمعرفة كاملة لله، ليعلن اللهَ للناس " [16] .

 

الشبهة الثامنة

قول المسيح عليه السلام : " قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن "


مزيد من البسط للشبهة :

و مثل ذلك أيضا قول النبي يحيى (يوحنا المعمدان) عن المسيح: " هذا (أي المسيح) الذي قلت فيه: إن الآتي بعدي قد تقدمني لأنه كان من قبلي " إنجيل يوحنا: 1/15.

كما توجد بعض النصوص الأخرى التي تفيد حسب ظاهرها ـ لكن بأقل صراحة من المذكور أعلاه ـ أن عيسى عليه السلام كان قبل خلق هذا العالم و ذلك كالعبارات التي جاءت في دعاء عيسى عليه السلام لأجل التلاميذ، في الإصحاح السابع عشر من إنجيل يوحنا:

" و الآن مجدني أيها الآب عن ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم " يوحنا: 17 / 5.

" أيها الآب أريد أن هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معي حيث أكون أنا لينظروا مجدي الذي أعطيتني لأنك أحببتني قبل إنشاء العالم "يوحنا:17/24.



الرد على هذه الشبهة:

أولا: كون الشخص وجد قبل إبراهيم أو قبل يحيى (عليهما السلام) أو حتى قبل آدم أو قبل خلق الكون كله، لا يفيد، بحد ذاته، ألوهيته بحال من الأحوال، بل أقصى ما يفيده هو أن الله تعالى خلقه قبل خلق العالم أو قبل خلق جنس البشر، مما يفيد أنه ذو حظوة خاصة و مكانة سامية و قرب خصوصي من الله سبحانه وتعالى ، أما أنه هو الله، فهذا يحتاج لنص صريح آخر، و ليس شيء من العبارات المذكورة أعلاه بنص في ذلك على الإطلاق، و هذا لا يحتاج إلى تأمل كثير.

ثانيا: هذا إن أخذنا ذلك التقدم الزماني على ظاهره الحرفي، مع أنه من الممكن جدا أن يكون ذلك من قبيل المجاز، بل قرائن الكلام تجعل المصير إلى المعنى المجازي متعينا، و هذا يحتاج منا لذكر سياق تلك العبارة من أولها:

جاء في إنجيل يوحنا (8 / 56 ـ 59):

"... و كم تشوق أبوكم إبراهيم أن يرى يومي، فرآه و ابتهج. قال له اليهود: كيف رأيت إبراهيم، و ما بلغت الخمسين بعد؟ فأجابهم: ((الحق الحق أقول لكم: كنت قبل أن يكون إبراهيم)) فأخذوا حجارة ليرجموه، فاختفى و خرج من الهيكل " [17] .

فقبلية عيسى المسيح على إبراهيم هنا، لا يمكن أن تكون قبلية حقيقية في نظر النصارى، لا باعتبار ناسوت المسيح المنفك عن اللاهوت طبقا لاعتقادهم، لأن ولادة عيسى الإنسان كانت بعد إبراهيم عليه السلام اتفاقا، و لا باعتبار حصول الحقيقة الثـالثـة المدعاة له أي تعـلُّـق اللاهوت بالناسوت [18] ، لأن ذلك تم مع ولادة المسيح من العذراء و روح القدس الذي تم أيضا بعد إبراهيم اتفاقا.

و لا يمكن أن يكون قصده سبق المسيح على إبراهيم باعتبار لاهوته الأزلي المدَّعى، بقرينة أن بداية الكلام كانت عن رؤية إبراهيم لهذا اليوم، أي يوم بعثة المسيح و رسالته، و ابتهاج إبراهيم به، فالكلام إذن عن رؤية المسيح المبعوث في الأرض، و هذا تم بعد إبراهيم اتفاقا، فلم يبق إلا أن يكون المراد بالقبلية علم الله السابق بتقدير إرسال عيسى عليه السلام في هذا الوقت، و ما يترتب عليه من الإرشاد و الرحمة بالعباد. فإن قيل: أيُّ خصوصية للمسيح في ذلك، إذ أن هذا المحمل ـ أي علم الله السابق ـ مشترك بينه و بين سائر الأنبياء، بل جميع البشر؟

فالجواب: أنه عليه السلام لم يذكر ذلك في معرض الخصوصية، و إنما ذكره قاطعا به استبعاد اليهود لسرور إبراهيم و فرحه بيومه، و تصحيحا لصدقه فيما أخبر و لصحة رسالته، ببيان أن دعوى رسالته ثابتة في نفس الأمر و مقررة سابقا و أزلا في علم الله القديم [19] .

و قد ورد مثل ذلك في ألفاظ خاتم المرسلين سيدنا محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم) حيث قال: "كنت نبيا و آدم بين الروح و الجـسـد " [20] .

 

الشبهة التاسعة

قول المسيح عليه السلام لليهود: " كيف يُـقال لمسيح أنه ابن داود، و داود نفسه يقول في كتاب المزامير (( قال الرب لربي: اجلس عن يميني حتى أجعل أعداءك موطئا لقدميك)) فداود نفسه يدعو المسيح ربا، فكيف يكون المسيح ابنه؟ " [21]


الرد على هذه الشبهة :

الحقيقة أن من يتأمل تلك الجملة التي استشهد بها السيد المسيح عليه السلام من سفر المزامير معتبرا إياها بشارة في حقه، يراها دليلا واضحا على نفي إلـهية المسيح لا على إثبات إلـهيته!

فعبارة المزامير تقول: [قال الرب (أي الله سبحانه وتعالى) لربي (أي المسيح) اجلس عن يميني حتى أجعل أعداءك موطأً لقدميك]، و بناء على هذه الجملة لا يمكن أن يكون المقصود من كلمة ربي الثانية هو الله أيضا، و ذلك لأن المعنى سيصبح عندئذ: قال الله لِـلَّه اجلس عن يميني حتى أجعل أعداءك موطئا لقدميك!! و كيف يجلس الله عن يمين نفسه!؟ ثم إذا كان ربي الثانية إلها فإنه لا يحتاج لأحد حتى يجعل أعداءه موطئا لقدميه، بل هو نفسه يسخر أعداءه بنفسه و لا يحتاج إلى من يسخرهم له، هذا كله عدا عن أن مخاطبة الله لإلـه آخر تعني وجود إلهين اثنين و هذا يناقض عقيدة التوحيد التي هي أساس الرسالات السماوية! فهذا كله يؤكد أن ربي الثانية ليس الله و لا بإلـه ثان بل لا بد أن يكون معناها شيئا غير ذلك، فما هو؟

الحقيقة أن ما يريده المسيح عليه السلام من عبارته تلك هو تذكير اليهود بمقامه العظيم ـ الذي تشير إليه عبارة نبيهم داود عليه السلام ـ قائلا لهم: كيف تعتبرون المسيح مجرد ابنٍ لداود مع أن داود نفسه اعتبر المسيح الآتي المبشر به و الذي سيجعله الله دائنا لنبي إسرائيل يوم الدينونة: ربَّاً له: أي سيدا له و معلما ؟!

و بمراجعة بسيطة للأناجيل ندرك أن لفظة الرب تستخدم بحق المسيح بمعنى السيد و المعلم، و قد سبقت الإشارة لذلك و لا مانع أن نعيدها هنا، فقد جاء في إنجيل يوحنا (1/38): " فقالا: ربي! الذي تفسيره يا معلم، أين تمكث؟ " و جاء فيه أيضا: (20/16): " قال لها يسوع: يا مريم! فالتفتت تلك و قالت له: ربوني! الذي تفسيره يا معلم ".

هذا ما ذكرته بنفسي دون الاطلاع على النص الأصلي لتلك البشارة كما جاء في الترجمة العربية الحديثة للكتاب المقدس، التي قامت بها الرهبانية اليسوعية ببيروت (1989)، فلما راجعت هذا النص وجدت ترجمتهم له عين ما توصلت إليه، فقد جاء في المزمور 110 / آية 1 ما يلي: " قال الرب لســـيَّدي: اجلس عن يميني حتى أجعل أعداءك موطئا لقدميك ". و الحمد لله الذي أظهر الحق.

 

الشبهة العاشرة

قول المسيح عليه السلام : " و لكن لتعلموا أن لابن الإنسان سلطانا على الأرض أن يغفر الخطايا " [22]

و وجه استدلالهم بهذا النص أن غفران الخطايا أمر منحصر بالله سبحانه وتعالى ، فإذا كان للمسيح ذلك السلطان، فهذا يعني أنه الله تعالى.



الرد على هذه الشبهة :

أولا: لمناقشة هذه الشبهة علينا أن نرجع إلى النص الكامل للواقعة التي جاء هذا الكلام للمسيح فيها.

يبتدأ الإصحاح التاسع من إنجيل متى بذكر هذه الواقعة فيقول :

" فدخل السفينة و اجتاز و جاء إلى مدينته. و إذا مفلوج يقدمونه إليه مطروحا على فراش. فلما رأى يسوع إيمانهم قال للمفلوج ثق يا بني. مغفورة لك خطاياك. و إذا قوم من الكتبة قد قالوا في أنفسهم هذا يجدف. فعلم يسوع أفكارهم فقال: لماذا تفكرون بالشر في قلوبكم. أيما أيسر أن يقال مغفورة لك خطاياك، أم أن يقال قم و امش؟ و لكن لتعلموا أن لابن الإنسان سلطانا على الأرض أن يغفر الخطايا. حينئذ قال للمفلوج. قم احمل فراشك و اذهب إلى بيتك. فقام و مضى إلى بيته. فلما رأى الجموع تعجبوا و مجدوا الله الذي أعطى الناس سلطانا مثل هذا " متى: 9 /1 ـ 8.

هناك أمران في هذا النص تنبغي ملاحظتهما لأنهما يلقيان ضوءا على حقيقة سلطان السيد المسيح عليه السلام لغفران الخطايا :

الأول: أن المسيح لم يقل للمفلوج: ثق يا بني لقد غفرتُ لك خطاياك! بل أنبأه قائلا: مغفورة لك خطاياك. و الفرق واضح بين الجملتين، فالجملة الثانية لا تفيد أكثر من إعلام المفلوج بأن الله تعالى قد غفر ذنوبه، و ليس في هذا الإعلام أي دليل على ألوهية المسيح، لأن الأنبياء و الرسل المؤيدين بالوحي و المتصلين بجبريل الأمين، يطلعون، بإطلاع الله تعالى لهم، على كثير من المغيبات و الشؤون الأخروية و منها العاقبة الأخروية لبعض الناس، كما أخبر نبينا محمد ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) عن بعض صحابته فبشرهم أنهم من أهل الجنة و عن آخرين فبشرهم أنهم من أهل النار.

ثانيا: قد يشكل على ما قلناه قول المسيح فيما بعد: و لكن لتعلموا أن لابن الإنسان سلطانا علىالأرض أن يغفر الخطايا، فنسب غفران الخطايا لنفسه.

قلنا: آخر النص يجعلنا نحمل هذه النسبة على النسبة المجازية، أي على معنى أن ابن الإنسان (المسيح) خوله الله أن يعلن غفران خطايا، و ذلك لأن الجملة الأخيرة في النص السابق تقول: " فلما رأى الجموع ذلك تعجبوا و مجدوا الله الذي أعطى الناس سلطانا مثل هذا "، فالغافر بالأصل و الأساس هو الله تعالى، ثم هو الذي منح هذا الحق للمسيح و أقدره عليه، لأن المسيح فنى في الله تعالى و كان على أعلى مقام من الصلة بالله و الكشف الروحي و لا يتحرك إلا ضمن حكمه و إرادته فلا يبشر بالغفران إلا من استحق ذلك.

و مما يؤكد أن غفران المسيح للذنوب هو تخويل إجمالي من الله تعالى له بذلك، و ليس بقدرة ذاتيه له عليه السلام ، هو أن المسيح، في بعض الحالات، كان يطلب المغفرة للبعض من الله تعالى فقد جاء في إنجيل لوقا (23 / 34):

" فقال يسوع: يا أبتاه! اغفر لهم، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون ".

فانظر كيف طلب من الله غفران ذنبهم و لو كان إلـها يغفر الذنوب بذاته و مستقلا، كما ادعوا، لغفر ذنوبهم بنفسه.

فهذا السلطان بغفران الخطايا الذي أعطاه الله تعالى للمسيح، شبيه بذلك السلطان الذي منحه المسيح أيضا لحوارييه الخلص بعد ظهوره لهم من جديد، بعد صلبه (الذي شُـبِّـهَ لهم به)، حين قال:

" فقال لهم يسوع أيضا: سلام لكم. كما أرسلني الآب أرسلكم أنا. و لمّا قال هذا نفخ و قال لهم: اقبلوا الروح القدس. من غفرتم خطاياه تغفر له. من أمسكتم خطاياه أمسكت " يوحنا: 20 / 21 ـ 23.

و شبيه بذلك السلطان الذي منحه لبطرس رئيس الحواريين حين قال له:

" طوبى لك يا سمعان بن يونى، إن لحما و دما لم يعلنا لك. لكن أبي الذي في السموات. و أنا أقول أيضا: أنت بطرس و على هذه الصخرة أبني كنيستي و أبواب الجحيم لن تقوى عليها. و أعطيك مفاتيح ملكوت السموات. فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطا في السموات، و كل ما تحله على الأرض يكون محلولا في السموات " متى: 11 / 17 ـ 18.

فكما أن هذا السلطان بغفران الخطايا الذي ناله بطرس خاصة و الحواريون عامة، بإذن الله، عبر المسيح، لا يفيد ألوهيتهم؛ فكذلك امتلاك المسيح لذلك السلطان، بإذن الله، لا يفيد ألوهيته.

هذا و من الجدير بالذكر أن الكنيسة الكاثوليكية قد توسعت لحد بعيد في إعطاء هذا الحق بغفران الخطايا من بطرس لخلفائه الباباوات و حتى لمن يرسمونهم من الأساقفة، و منه نشأ تقليد الاعتراف للقسيس و غفران الأخير لذنوب المعترف! بل وصل الأمر في عصر من العصور لبيع صكوك الغفران و بيع قطع الأرض في الجنة جاهزةً لمن يتبرع للكنيسة، و من المفيد أن ننقل هنا نصا لأحد صكوك الفغران، كما جاء في كتاب " سوسنة سليمان في أصول العقائد و الأديان " لمؤلفه (النصراني) نوفل أفندي نوفل، حيث ذكر ترجمة لأحد صكوك الغفران التي كانت تباع في مدينة ويتمبرغ الألمانية (التي كان مارتن لوثر يدرس فيها) عام 1513 م. و نص الصك كما يلي:

" ربنا يسوع المسيح يرحمك يا فلان و يُحِلُّكَ باستحقاقات آلامه الكلية القداسة و أنا بالسلطان الرسولي المعطى لي أحـلك من جميع القصاصات و الأحكام و الطائلات الكنسية التي استوجبتها و أيضا من جميع الافراط و الخطايا و الذنوب التي ارتكبتها مهما كانت عظيمة و فظيعة و من كل علة و لئن كانت محفوظة لأبينا الأقدس البابا و الكرسي الرسولي، و أمحو جميع العجز و كل علامات الملامة التي ربما جلبتها على نفسك في هذه الفرصة، وأرفع القصاصات التي كنت تلتزم بمكابدتها في المطهر، و أردك حديثا إلى الشركة في أسرار الكنيسة و أقرنك في شركة القديسين، و أردك ثانية إلى الطهارة و البر اللذين كانا لك عند معموديتك حتى أنه في ساعة الموت يغلق أمامك الباب الذي يدخل منه الخطاة إلى محل العذابات و العقاب و يفتح الباب الذي يؤدي إلى فردوس الفرح، إن لم تمت سنين مستطيلة فهذه النعمة تبقى غير متغيرة حتى تأتي ساعتك الأخيرة... باسم الآب و الابن و الروح القدس الواحد، آميــن. " [23]

و بناء على ما ذكر نقول: أنه لو كان امتلاك حق غفران الخطايا يدل على ألوهية مالك هذا الحق للزم منه أن يعتبر الحواريون و القديس بطرس الرسول و بولس و كل آباء الكنيسة و اساقفتها المخولون ذلك الحق آلهة أيضا!! و هذا ما لا يقول به أحد.

و إذا بطل اللازم، بطل الملزوم، فبطل الاستدلال بسلطان المسيح على غفران الخطايا، على ألوهيته.

 

الشبهة الحادية عشرة

قول توما للمسيح عليه السلام : " ربي و إلهي! " و عدم اعتراض المسيح على ذلك.


الرد على هذه الشبهة:

لمناقشة هذه الشبهة علينا أن نرجع أولا إلى النص الكامل للواقعة التي خاطب فيها توما معلمه المسيح عليه السلام بتلك العبارة، و فيما يلي نصها:

" و بعد ثمانية أيام كان تلاميذه أيضا داخلاً و توما معهم. فجاء يسوع و الأبواب مغلقة و وقف في الوسط و قال سلام لكم. ثم قال لتوما: هات اصبعك إلى هنا و أبصر يدي و هات يدك و ضعها في جنبي و لا تكن غير مؤمن بل مؤمنا. أجاب توما و قال له: ربي و إلهي! فقال له يسوع: لأنك رأيتني يا توما آمنت؟ طوبى للذين آمنوا و لم يروا! "

من هذا السياق يتضح أن ما أطلقه توما من عبارة كان في موضع الاندهاش و التعجب الشديد فقال: ربي و إلهي! و لا يقصد أن المسيح نفسه ربه و إلهه، بل هو كما يقول أحدنا إذا رأى فجأة أمرا مدهشا و محيرا للغاية: ألـلــه! أو يا إلــهي!!، فهي صيحةٌ لله تعالى و ليست تأليها للمسيح.

و حتى لو سلمنا أن هذه الصيحة لم تكن لله الآب تعالى، بل قصد توما بها المسيحَ نفسه عليه السلام، فهذا أيضا لن يكون دليلا على تأليه المسيح لأن لفظة الإلـه في الكتاب المقدس، مثلهامثل لفظة الرب، تأتي أحيانا على معان مجازية، لا تفيد الربوبية و لا الألوهية الخاصة بالله سبحانه وتعالى ، أما بالنسبة للفظة الرب فقد بينا أكثر من مرة أنه يقصد بها " السيد المعلم " [24] ، و لا حاجة للإعادة هنا.

و أما بالنسبة للفظة الإله، فنرجع القارئ الكريم إلى ما تقدم ذكره حول إطلاق المسيح و التوراة كذلك لفظة الآلــهة على المؤمنين الربانيين الذين صار إليهم وحي الله فالتزموا بوحي الله و ما أنزله عليهم من منهج و تعاليم [25] , و نضيف على ذلك هذه العبارة من التوراة:

" قد جعلتك إلـها لفرعون، و أخاك هارون رسولك " الخروج: 17/1.

فهذا النص يبين أنه في لغة الكتاب المقدس Bible تأت أحيانا لفظة الإله للدلالة على السيد الكبير و النبي العظيم.

و لذلك يحتمل أن يكون المراد بقول توما للمسيح: " ربي و إلـهي "، هذا المعنى بالذات، و ما دام هذه الاحتمال وارد، لم تعد تلك اللفظة كافية للدلالة على إلـهية المسيح، لأنه كما يقولون: إذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال.

هذا فضلا عن أن القول بإلهية ذلك الإنسان البشر، الذي أثبت الإنجيل نفسه صفاته البشرية المحضة و عروض جميع عوارض الضعف البشري الطبيعي عليه، يستتبع محالات عقلية سبقت الإشارة إليها مما يغني عن إعادتها.

و بهذا نكون قد أتينا على جميع الشبهات القولية التي يستند إليها المؤلهون للمسيح عليه السلام لننتقل الآن لشبهاتهم من الولادة المعجزة و الأعمال الخارقة للمسيح عليه السلام .

______________________


ب ـ الشبهات من أحوال و معجزات المسيح عليه السلام :

و الرد على هذه الشبهات في غاية السهولة و الوضوح، ذلك أن كل ما أثبته الإنجيل، و العهد الجديد بشكل عام، للمسيح عليه السلام ، من أحوال خارقة كولادته من غير أبوين أو ارتفاعه بعد موته (حسب تصورهم)، و من معجزات و أعمال خارقة كإحياء الموتى و شفاء الأعمى و الأبرص من الولادة و غير ذلك، أثبت الكتاب المقدس مثلها تماما أو حتى أكبر منها، لغيره من الأنبياء أو للحواريين، فإن كانت تلك الأحوال و المعجزات دليلا على ألوهية صاحبها، فإن الألوهية عندئذ لن تقتصر على السيد المسيح فحسب، بل ستعم أولـئك الأنبياء الذين سبقوه و الذين كانت لهم مثل معجزاته و أحواله، بل ستعم الألوهية حوارييه و تلاميذه و تلاميذ تلاميذه الذين ظهرت على يديهم ـ حسب كلام العهد الجديد ـ مثل معجزاته أيضا!. و إليك تفصيل هذا المجمل :


1ـ رد الاستدلال بولادة المسيح من غير أب، بل بنفخة من روح الله، على ألوهيته :

ليس في ولادة المسيح عليه السلام من غير أب و أنه ولد من نفخ روح القدس، أي دليل على ألوهيته، فآدم عليه السلام ولد أيضا ـ باتفاق النصارى و المسلمين ـ من غير أب و لا أم، بل من نفخ الله تعالى فيه من روحه، أي من روح قدسه، و هذا ما أوضحه القرآن الكريم بأفضل بيان، في معرض رده على الذين يؤلهون المسيح استنادا لولادته الإعجازية، فقال:

{ إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون } آل عمران / 59 ـ 60.

بل يذكر العهد الجديد اسم كاهن مقدس وجد منذ قديم الأيام بلا أب و لا أم أيضا و هو الكاهن "ملكي صادق" و لم يقل أحد من المسيحيين بألوهيته !

 لننظر ماذا جاء عنه في الإصحاح السابع من الرسالة إلى العبرانيين المعتبرة أحد الراسائل القانونية الإلهامية في كتاب العهد الجديد:

" و كان ملكيصادق هذا ملك ساليم و كاهن الله تعالى، خرج لملاقاة إبراهيم عند رجوعه بعد ما هزم الملوك و باركه، و أعطاه إبراهيم العشر من كل شيء، و تفسير اسمه أولاً ملك العدل ثم ملك ساليم أي ملك السلام. و هو لا أب له و لا أم و لا نسب و لا لأيامه بداءة و لا لحياته نهاية. و لكنه على مثال ابن الله، يبقى كاهنا إلى الأبد " الرسالة إلى العبرانيين: 7 /1 ـ 3.

فإذا كان ملكي صادق، رغم كونه بلا بداية و لا أب و لا أم و لا نسب، عبدا مخلوقا، بإقرار النصارى جميعا، حيث لم يقل أحد منهم بألوهيته، فكيف إذن يصح استدلالهم باتصاف المسيح ببعض هذه الصفات على ألوهيته؟!



2 ـ رد الاستدلال بأعمال المسيح المعجزة الخارقة على ألوهيته :

ما من معجزة نقلها الإنجيل عن المسيح عليه السلام، إلا نقل كتاب العهد القديم وقوع مثلها أو أقوى منها عن بعض من سبق المسيح من الأنبياء عليهم السلام، و نقل كتاب العهد الجديد وقوع مثلها أيضا على يد حواريي المسيح، أو نقل بيان المسيح إمكانية وقوعها على يد كل مؤمن صادق من تلامذته و أتباعه إذا تمحض كمال الإيمان و أخلص العمل. و فيما يلي شواهد على ما نقول:

أ ـ فبالنسبة لإحياء الموتى، كلنا يعرف معجزة موسى عليه السلام بقلب العصا حية حقيقية أمام فرعون و سحرته [26] ، و هذه المعجزة أشد إعجازا من إحياء عيسى عليه السلام للميت، لأن معجزة عيسى عليه السلام ليس فيها إلا بعث الحياة في هيكل إنساني كامل موجود، في حين اشتملت معجزة موسى عليه السلام على أمرين :

أولاً: تغيير شكل و صورة العصا و إيجاد صورة و شكل جديدين لها بتحويلها لحية تسعى ذات عينين و لسان و جلد، و ثانياً: بعث الحياة فيها.

و كذلك يروي لنا العهد القديم قصة إحياء النبي إيليَّـا عليه السلام ابنَ المرأة الأرملة، التي كانت تعوله عندما كان ملتجأً في قرية صرفة قرب صيدون [27] و التي مات ابنها لشدة المرض، فدعا إيليا ربه فاستجاب له و بعث الحياة من جديد في الولد الميت.

و كذلك يروي لنا سفر أعمال الرسل من العهد الجديد، قصة إحياء القديس بطرس الرسول، تلميذ المسيح المقرب و حواريه، للتلميذة الصالحة " طابيـثـا " من أهل " يافا "، بعد أن ماتت و غسلت و وضعت في قبرها، و فيما يلي ننقل هذه القصة كما جاءت في آخر الإصحاح التاسع من سفر أعمال الرسل:

" و كان في يافا تلميذة اسمها طابيـثـا، الذي ترجمته غزالة. هذه كانت ممتلئة أعمالا صالحة و إحسانات كانت تعملها. و حدث في تلك الأيام أنها مرضت و ماتت فغسلوها و وضعوها في عُـلِّـيَّـة. و لما كانت اللدُّ قريبة من يافا و سمع التلاميذ أن بطرس فيها أرسلوا رجلين يطلبان إليه أن لا يتوانى عن أن يجتاز إليهم. فقام بطرس و جاء معهما. فلما وصلوا صعدوا به إلى الـعُـلِّـيَّـة فوقفت لديه جميع الأرامل يبكين و يرين أقمصة و ثيابا مما كانت تعمل غزالة و هي معهن، فأخرج بطرس الجميع خارجا و جثا على ركبتيه و صلى ثم التفت إلى الجسد و قال: يا طابيـثـا قومي. ففتحت عينيها. و لما أبصرت بطرس جلست. فناولها يده و أقامها. ثم نادى القديسين و الأرامل و أحضرها حية. فصار ذلك معلوما في يافا فآمن كثيرون بالرب " أعمال الرسل: 9 / 36 ـ 41.

ب ـ و بالنسبة لشفاء ذوي العاهات الخلقية المستديمة كشفاء الأبرص و المقعد من الولادة و الأعرج... إلخ.. و إخراج الشياطين من المجانين و المصروعين، فقد نقل العهد الجديد مثلها عن الحواريين و رسل المسيح عليه السلام بل عن عامة أتباعه الصالحين، و فيما يلي ذكر ذلك:

جاء في سفر أعمال الرسل (3 / 2 ـ :

" و كان رجل أعرج من بطن أمه يُحْمَل، كانوا يضعونه كل يوم عند باب الهيكل الذي يقال له الجميل ليسأل صدقة من الذين يدخلون الهيكل. فهذا لما رأى بطرس و يوحنا مزمعين أن يدخلا الهيكل سأل ليأخذ صدقة. فتفرس فيه بطرس مع يوحنا و قال أنظر إلينا. فلاحظهما منتظرا أن يأخذ منهما شيئا. فقال بطرس ليس لي فضة و لا ذهب و لكن الذي لي فإياه أعطيك. باسم يسوع المسيح الناصري قم و امش. و أمسكه بيده اليمنى و أقامه، ففي الحال تشددت رجلاه و كعباه فوثب و وقف و صار يمشي و دخل معهما إلى الهيكل و هو يمشي و يطفر و يسبح الله "

ـ و جاء فيه أيضا (8 / 4 ـ :

" فانحدر فيليبس إلى مدينة من السامرة و كان يكرز لهم بالمسيح و كان الجموع يصغون بنفس واحدة إلى ما يقوله فيليبس عند استماعهم و نظرهم الآيات التي صنعها. لأن كثيرين من الذين بهم أرواح نجسة كانت تخرج صارخة بصوت عظيم. و كثيرون من المفلوجين و العرج شفوا، فكان فرح عظيم في تلك المدينة "

ـ و فيه كذلك (14 / 8 ـ 10):

" و كان يجلس في لسترة رجل عاجز الرجلين مقعد من بطن أمه و لم يمش قط. هذا سمع بولس يتكلم. فشخص إليه و إذ رأى أن له إيمانا ليشفى، قال بصوت عظيم: قم على رجليك منتصبا. فوثب و صار يمشي "

ـ و فيما يلي إعلان عام من السيد المسيح عليه السلام عن قدرة كل من يؤمن حقا على إظهار أكبر المعجزات، جاء في إنجيل يوحنا (14 / 12):

" الحق الحق أقول لكم: من يؤمن بي فالأعمال التي أعملها يعملها هو أيضا و يعمل أعظم منها "

و مثله قول المسيح عليه السلام أيضا لتلاميذه، لما دهشوا و تعجبوا من يبس شجرة التين فور دعاء المسيح عليها، فقال لهم:

" الحق أقول لكم: إن كان لكم إيمان و لا تشكون، فلا تفعلون أمر التينة فقط، بل إن قلتم لهذا الجبل انتقل و انطرح من البحر فيكون. و كل ما تطلبونه في الصلاة مؤمنين تنالونه " إنجيل متى: 21 / 21 ـ 22.


قلت : فقد صار واضحا أن ظهور الخوارق و المعجزات، مهما كان شأنها عظيما، على يد شخص، لا يصلح بحد ذاته أن يعتبر مؤشرا على ألوهية هذا الشخص و إلا لوجب القول بألوهية كل الأنبياء السابقين و الحواريين و تلاميذ المسيح أيضا!!

و قد يقال : إن تلك المعجزات التي صدرت عن الأنبياء ممن سبق المسيح عليه السلام أو عن تلاميذ المسيح، لم تكن من فعلهم أنفسه بل كانت من أفعال الله تعالى الذي أظهرها على أيديهم، أما معجزات المسيح فكانت من فعله بنفسه، لذا كانت دليلا على ألوهيته!

و للإجابة على هذا نحيل القارئ إلى القسم التاسع من الفصل الأول الذي ذكرنا فيه شواهد من الأناجيل تفيد أن المعجزات التي كان يصنعها المسيح أيضا، لم يكن يفعلها بقوته الذاتية المستقلة بل كان يستمدها من الله و يفعلها بقوة الله، أي أن الفاعل الحقيقي لها كان الله سبحانه وتعالى الذي أظهرها علي يدي المسيح لتكون شاهدا له على صحة نبوته، و نكتفي هنا بإعادة نص واحد ظاهر بين في ذلك و هو ما قاله بطرس الحواري في خطابه لبني إسرائيل بعد رفع المسيح:

" فوقف بطرس مع الأحد عشر و رفع صوته و قال لهم:... أيها الرجال الإسرائيليون اسمعوا هذه الأقوال: يسوع الناصري رجل قد تبرهن لكم من قبل الله بقوات و عجائب و آيات صنعها الله بيده في وسطكم كما أنتم أيضا تعلمون " سفر أعمال الرسل: (2 / 14 و 22).



3 ـ رد الاستدلال بقيام المسيح حيّاً من الأموات على ألوهيته :

قال بعض أساقفة و لاهوتيي النصارى: إن الأنبياء مهما كانوا عظماء، فإن أقصى ما فعلوه هو أنهم أحيوا بعض الموتى بإذن الله، أما أن يقوموا بأنفسهم أحياء بعد موتهم فهذا ما لم يقدروا عليه أبدا، بعكس المسيح الذي " لما كان إلـها قدر بقوته الإلـهية أن يقوم من الأموات و يعود إلى الحياة و يصعد إلى السماء ممجدا إلى يومنا هذا ".

و الجواب على هذا الدليل ـ مع التسليم جدلا بأنه عليه السلام مات فعلا على الصليب و دفن ثم قام حيا بعد موته بثلاث ليال كما يدعون [28] ـ هو أن نصوص العهد الجديد نفسها تشهد بأن المسيح لم يقم من الموت بقدرته الذاتية الإلـهية، بل إن الله تعالى هو الذي أحياه و أقامه من الأموات، و عندئذ فلا يبقى في قيامه حيا بعد موته أي دليل على ألوهيته، و إلا لكان جميع البشر آلهة لأن الله تعالى سيقيمهم أحياء من قبورهم يوم القيامة!! و قد تكرر التعبير بأن " الـلهُ أقام المسيحَ من الأموات " مرات عديدة، على لسان الحواري بطرس و لسان بولس، في سفر أعمال الرسل، و فيما يلي ذكر بعض الشواهد من ذلك:

ـ جاء في سفر أعمال الرسل في خطاب القديس بطرس الحواري لرجالٍ من بني إسرائيل:

" فيسوع هذا، أقامه الله، و نحن جميعا شهود لذلك. و إذ ارتفع بيمين الله [29] و أخذ موعد الروح القدس من الآب، سكب هذا الذي أنتم الآن تبصرونه و تسمعونه " أعمال الرسل: 2 / 32 ـ 33.

ـ و فيه أيضا في خطبة أخرى لبطرس الحواري :

" و لكن أنتم أنكرتم القدوس البار و طلبتم أن يوهب لكم رجل قاتل. و رئيس الحيوة قتلتموه الذي أقامه الله من الأموات و نحن شهود لذلك " أعمال الرسل: 3 / 14 ـ 15. [30]

و جاء في رسالة بولس إلى أهل رومية (4 / 24 ـ 25) :

" نؤمن بمن أقام يسوع ربنا من الأموات. الذي أسلم من أجل خطايانا و أقيم لأجل تبريرنا "

و في نفس الرسالة (8 / 18) :

"... و إن كان روح الذي أقام يسوع من الأموات ساكنا فيكم، فالذي أقام المسيح من الأموات سيحيي أجسادكم المائتة أيضا بروحه الساكن فيكم "

و في رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس (6 / 14) :

"... و الله قد أقام الرب (اي المسيح) و سيقيمنا نحن أيضا بقوته "


قلت: فإقامة المسيح من الأموات مماثلة لإقامتنا من الأموات التي ستحصل يوم البعث و القيامة، فلا دلالة فيها أصلا على إلهية المسيح لا من قريب و لا من بعيد.


4 ـ رد الاستدلال بسجود بعض التلاميذ للمسيح على ألوهيته :

ذُكِر في الأناجيل أن المجوس الذين قدموا من المشرق و عرفوا من النجوم بولادة المسيح، ذهبوا إليه فلما رأوه في بيت لحم و هو في المهد، آمنوا به و سجدوا له، و كذلك جاء أن مريم المجدلية و مريم أم يعقوب و التلاميذ و الأعمى الذي شفاه المسيح [31] سجدوا له عليه السلام أيضا، و لم يرد أن عيسى عليه السلام منعهم من السجود له، فقال بعض أساقفة النصارى: إن هذا دليل واضح على ألوهية المسيح لأن السجود لا يكون إلا لله وحده، فلولا أن المسيح كان إلـها حقا لما رضي بسجود تلاميذه له.

و نقول في الإجابة عن هذه الشبهة: إن كل عالم بالكتاب المقدس Bible يعرف أنه قد جاء في كثير من مواضعه ذكر سجود البشر للأنبياء و أحيانا سجود النبي للنبي بل حتى أحيانا سجود الأنبياء للبشر، مما يؤكد أنه في عرف الكتاب المقدس لا يعتبر السجود عبادة محضة خاصة بالله، بل هو أعم من ذلك، فقد يكون عبادة، و قد يكون مجرد خضوع و احترام للمسجود له، و بالتالي في هذه الحالة الأخيرة يجوز أداؤه لغير الله. و ليس هذا خاصا بالكتاب المقدس بل أثبت القرآن أيضا ذلك الأمر في قصصه عن الأمم السابقة، فكل مسلم يعرف أن الله تعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم، و يعرف قصة سجود أبوي يوسف و إخوته الأحد عشر ليوسف عليه السلام. لكن دعنا الآن نذكر الشواهد من الكتاب المقدس:

ـ في سفر التكوين (23 / 6): " فقام إبراهيم و سجد لشعب الأرض لبني حث " وفيه في نفس الإصحاح كذلك: " و سجد إبراهيم أمام شعب الأرض " 23 / 12.

ـ و في سفر التكوين (33 / 3 ـ 7): أن يعقوب عليه السلام، سجد و نساؤه و أولاده لعيسو عندما التقوا به.

ـ و فيه أيضا (42 / 6 و 43 / 26 و 28): أن إخوة يوسف عليه السلام سجدوا له.

ـ و فيه أيضا (48 / 12): أن يوسف عليه السلام سجد أمام وجه أبيه.

ـ و في سفر الخروج (18 / 7): أن موسى عليه السلام خرج لاستقبال حميه و سجد و قبله.

ـ و في سفر صموئيل الأول (24 / : أن داود عليه السلام : " نادى وراء شاول قائلا يا سيدي الملك، فلما التفت شاول إلى وراءه، خر داود على وجهه إلى الأرض و سجد ".

ـ و في سفر صموئيل الأول أيضا (25 / 23 ـ 24) ما نصه:

" و لما رأت أبيجايل داود أسرعت و نزلت عن الحمار و سقطت أمام داود على وجهها و سجدت إلى الأرض و سقطت على نعليه و قالت: علي أنا يا سيدي هذا الذنب و دع أمتك تتكلم... "

ـ و في سفر الملوك الأول (1 / 16): " فخرت بششبع و سجدت للملك (داود) ".

ـ و في سفر الملوك الأول أيضا (1 / 22 ـ 23) ما نصه: " و بينما هي مكلمة إذا ناثان النبي داخل. فأخبروا الملك (داود) قائلين هو ذا ناثان النبي. فدخل إلى أمام الملك (داود) و سجد للملك على وجهه إلى الأرض ".

ـ و في سفر الملوك الثاني (12 / 5): أن بني الأنبياء سجدوا للنبي إيلياء عليه السلام لما ظهرت منه المعجزة.

و الشواهد على ذلك كثيرة نكتفي بما ذكرناه.

و بهذا نكون قد انتهينا من تفنيد جميع الشبهات و الأدلة من الإنجيل التي تشبث بها الذين غلوا في دينهم و ألهوا نبيهم المسيح عليه السلام، سواء من كلماته أو من أفعاله و أحواله، و ذلك باعتمادنا على نصوص الأناجيل و الكتاب المقدس نفسها لا غير، و نهيب بكل منصف أن يترك التعصب جانبا و يسمع لنداء الله تعالى إذ يقول:

" ما المسيح بن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل و أمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون. قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا و لا نفعا و الله هو السميع العليم؟. قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق و لا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل و أضلوا كثيراً و ضلوا عن سواء السبيل " المائدة / 75 ـ 77. صدق الله العظيم.

و ننتقل الآن للفصل الأخير الذي نثبت فيه نفي إلـهية المسيح بالاستناد لأقوال القديسين الكبيرين: بولس و يوحنا، ثم نرد على شبهات المؤلهين للمسيح من أقوال ذينك القديسين، و الله الموفق.


--------------------------------------------------------------------------------

[1] كما جاء مثلا في أعمال الرسل:13/6 أن بولس قال للساحر الضليل: " أيها الممتلىء كل خبث و كل غش يا ابن إبليس، يا عدو كل بر، ألا تزال تفسد كل سبل الله المستقيمة؟ ".

[2] رواه السيوطي في الجامع الصغير عن علي كرم الله وجهه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، و عزاه إلى أبي القاسم بن حيدر في مشيخته، و رمز له بالحسن. (الجامع الصغير: ج1 / ص 110).

[3] من الجدير بالذكر أن الله تعالى ذكر عن اليهود و النصارى اعتبارهم أنفسهم أبناء الله و أحباؤه فرد عليهم هذا الغرور الباطل، دون أن يناقشهم في موضوع عبارة أبناء الله لأنه من الواضح أن مقصودهم منها معنى مجازي، فقال:"و قالت اليهود و النصارى نحن أبناء الله و أحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء و يعذب من يشاء و لله ملك السموات والأرض و ما بينهما و إليه المصير" المائدة/ 17

[4] كما جاء مثلا في إنجيل يوحنا: 1/14 و 18، و 3 / 16.

[5] متى: 6 / 9.

[6] هذا الشاهد و الذي قبله منقول بلفظ الترجمة الرهبانية اليسوعية للكتاب المقدس، بيروت، 1989.

[7] بالاستفادة من كتاب الإمام أبي حامد الغزالي: الرد الجميل لإلـهية عيسى بصريح الإنجيل، بتحقيق الد. محمد الشرقاوي، القاهرة، ص 102 ـ104 مع تصرف كبـير.

[8] أي أنه يدعو أيضا للذين سيؤمنون به في المستقبل بواسطة دعوة و كلام الحواريين و المبشرين.

[9] المصدر السابق، ص 105.

[10] صحيح البخاري: 81 ـ كتاب الرقاق / 38 ـ باب التواضع (ج 7 / ص 190).

[11] هذه الجملة وردت في إنجيل يوحنا:10/ 38، و تكررت ثانية فيه بعبارة: " صدقوني أني في الآب و الآب فيَّ " يوحنا: 14 / 11. و استدلالهم بها ظاهر لا يحتاج لتوضيح.

[12] راجع الصفحات من 69 إلى 76 من الفصل الأول.

[13] مستفاد من كتاب " إظهار الحق " للشيخ رحمة الله بن خليل الرحمن الهندي: ج 3 / ص 759.

[14] إنجيل يوحنا: 3 / 13.

[15] تفسير الكتاب المقدس، تأليف جماعة من اللاهوتيين برئاسة الدكتور فرانسس دافيد سن. بيروت، دار منشورات النفير، 1988. ج 5 / ص 242.

[16] المرجع السابق: ج 5 / ص 242.

[17] من الترجمة العربية الجديدة للإنجيل، نشر جمعيات الكتاب المقدس المتحدة، بيروت 1988.

[18] أي ظهور حقيقة ثالثة منه و هي المسيح الإله ـ الإنسان، المركب من لاهوت و ناسوت الموصوف بجميع ما يجب لكل واحد منهما من حيث هو إله أو إنسان، المغاير لكل واحد من الحقيقتين!.

[19] مستفاد من كتاب: الرد الجميل لإلـهية عيسى بصريح الإنجيل، للإمام الغزالي: ص 158 ـ 161، بتصرف و اختصار كثير.

[20] أخرج الترمذي عن أبي هريرة، أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم : " متى كنتَ أو كُتبتَ نبيا؟ " قال: " كنت نبيا و آدم بين الروح و الجسد ". و قال الترمذي: حسن صحيح و رواه الحاكم في مستدركه و صححه أيضا. و رواه الطبراني أيضا عن ابن عباس.

[21] لوقا: 20 / 41 ـ 44، و متى: 22 / 41 ـ 45، و مرقس: 12 / 35 ـ 37. و اللفظ المذكور للوقا و هو منقول عن الترجمة العربية الجديدة للعهد الجديد، نشر جمعيات الكتاب المقدس المتحدة، بيروت 1988.

[22] متى: 9 / 5، و مرقس: 2 / 10.

[23] كتاب سوسنة سليمان: ص 153.

[24] راجع الصفحة 129 ثم الصفحات 181 ـ 189 القادمة من هذا الكتاب التي فصلنا فيها الموضوع كاملا.

[25] راجع الصفحة 107 من هذا الكتاب.

[26] انظر العهد القديم: سفر الخروج: الإصحاح 7 / الفقرات: 8 ـ13.

[27] انظر العهد القديم: سفر الملوك الأول: الإصحاح 17 / الفقرات: 17 ـ 23.

[28] نكرر الملاحظة التي سبق و قلناها و هي أننا إنما نحاجج النصارى بما في كتبهم التي يعتقدون إلهاميتها كلها، بغض النظر عن أننا نوافق على كل ما ذكر فيها أو لا، إذ من المعلوم أن القرآن الكريم أوضح الحق في شأن السيد المسيح عندما أكد أنه {و ما قتلوه و ما صلبوه و لكن شبه لهم...... بل رفعه الله إليه}.

[29] عبارة الترجمة العربية الجديدة لجمعيات الكتاب المقدس المتحدة (1988) اوضح هنا حيث تقول: " فيسوع هذا أقامه الله و نحن كلنا شهود على ذلك، فلما رفعه الله بيمينه إلى السماء نال من الآب الروح القدس الموعود به فأفاضه علينا و هذا ما تشاهدون و تسمعون ".

[30] و انظر أيضا تكرر هذه العبارة في أعمال الرسل: 4 / 10 و 10 / 40 و 13 / 30 و 17 / 31.

[31] متى: 2 / 2 و 11، و متى: 28 / 9، و لوقا: 24 / 52، و يوحنا: 9 / 38.

The Time Is Now  
   
Visitors Country  
   
Today, there have been 30028 visitors (42600 hits) on this page!
This website was created for free with Own-Free-Website.com. Would you also like to have your own website?
Sign up for free